ورقة مقدمة إلى مؤتمر التوافق الثامن بعنوان التنمية والمسار الاستراتيجي المبادر للدولة | رجوع
ورقة مقدمة إلى مؤتمر التوافق الثامن بعنوان التنمية والمسار الاستراتيجي المبادر للدولة مقدم الورقة؛ ا.د. عبد المحسن حمادة عنوان الورقة دور التربية في إنجاح الخطة التنموية.
العلاقة بين الاقتصاد والتربية: هناك علاقة قديمة بين الاقتصاد والتربية حيث لوحظ منذ العصور القديمة أن التعليم ينمو ويزدهر في الدول الغنية في حين يضعف ويتدهور في المجتمعات الفقيرة. وذلك لأن المجتمعات الغنية لديها فائض من الأموال ممكن إنفاقه على متطلبات التعليم. كبناء المدارس وإصلاح المناهج وتطويرها وتشجيع الكفاءات وأصحاب المواهب للعمل في مهنة التدريس. فضلا عن أن أبناء المجتمعات الغنية يستطيعون البقاء في المدارس فترة طويلة لتلقي العلم؛ وذلك لأن الأسر في المجتمعات الغنية تدرك أهمية التعليم بصورة أفضل من الأسر في المجمعات الفقيرة، ولديها فائض من المال يمكن إنفاقه لاستمرار أبناءها في التعليم ولأنها نستطيع الاستغناء عن خدمات أبنائها لفترة طويلة. بعكس الأسر في المجتمعات الفقيرة حيث يضطر كثير من الأطفال حتى في العصر الحاضر لترك المدارس والبحث عن العمل وهم في سن مبكرة لمساعدة أسرهم. عير أن العلاقة بين الاقتصاد والتعليم تطورت في العصر الحاضر فأصبحت موضوع دراسة قائمة بذاتها عرفت باسم اقتصاديات التعليم. وأدى هذا التطور إلى ظهور علاقة وثيقة ومتبادلة بين الاقتصاد والتعليم بحيث يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به. وساهم بعض المفكرين منذ القرن التاسع عشر في تطوير هذه العلاقة، أمثال كارل ماركس في كتابه رأس المال حيث أكد على علاقة التعليم بالعمال وأهمية دوره في النمو الاقتصادي. ودافع عن حقوق العمال وطالب بتحسين مستوياتهم التعليمية وظروفهم المعيشية. وكذلك المفكر آدم سميث الذي نظر إلى التعليم في كتابه ثروة الأمة على أساس أنه عنصر من عناصر رأس المال التي تساهم في العملية الإنتاجية كالأجهزة والمباني. وكذلك الفريد مارشال في كتابه مبادئ الاقتصاد، حيث نظر إلى التعليم على أساس أنه نوع من أنواع الاستثمار الوطني. وطالب ربط التعليم بحاجات قوة العمل. وأكد على أهمية التعليم في اكتساب المهارات التي يتطلبها في مختلف مؤسسات العمل والإنتاج. فمهدت هذه الآراء لظهور علم اقتصاديات التعليم في الستينات من القرن العشرين عندما قدم شولتز آراءه حول هذا الموضوع؛ فاعتبر مخرجات التعليم مصدرا من مصادر الإنتاج. حيث عد العنصر البشري المتعلم رأس مال يجب استثماره وعد الإنفاق على التعليم استثمارا فساهمت هذه الآراء بترسيخ اقتصاديات التعليم(1) .
أثر النظرة الاقتصادية على التربية: أثبتت الدراسات التي أجريت في مجال اقتصاديات التعليم أهمية الدور الذي تقوم به التربية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكان لهذه النظرة بعض الآثار على العملية التربوية من أهمها: - أدت إلى إجراء تطوير شامل في صلب العملية التربوية؛ لأنها دفعت بعض المجتمعات إلى إجراء إصلاحات في الأهداف والمناهج وطرق التدريس، لتتلاءم العملية التربوية مع حاجات المجتمع ومطالب التنمية تمشيا مع المبادئ التي تنادي بها النظرة الاقتصادية. - اختفت بعض المفاهيم والمصطلحات التربوية التي كانت شائعة، مثل العلم من أجل العلم أو من أجل المعرفة الحقة، ليحل محلها مصطلحات جديدة يتضح منها مدى تأثر التربية بالنظرة الاقتصادية. ومن - ( 2 ) - أمثلة هذه المصطلحات، تمويل التعليم وتكلفته، ربط التعليم بالعمل والإنتاج، الاستثمار في العنصر البشري، عائدات التعليم. بدأ ينظر إلى التربية ليس على أنها غاية في حد ذاتها. بل أداة فعالة لتساعد على إعداد المواطن إعدادا سليما ليقوم بدور إيجابي في تقدم مجتمعه. - أدت هذه النظرة إلى ظهور صراع بين رجال التربية المعارضين لهذه النظرة والمؤيدين لها؛ لخشية بعض رجال التربية من أن يؤدي تسلط عقلية رجال الاقتصاد المادية على التعليم إلى أن يصبح التعليم عبدا لاقتصاديات الدولة. فيسخر لخدمة إعداد القوى العاملة التي يحتاجها ميدان العمل ويتجاهل الأهداف والوظائف الخلقية والفكرية المهمة للبشرية. وقد تلاشى ذلك الصراع بعد توضيح أن اهتمام التربية بالاقتصاد لا يلقي اهتمامها بالجوانب الخلقية والاجتماعية والإنسانية.
تطور مفهوم التنمية: لاشك أن مفهوم التنمية قد تطور وتنوع متأثرا بما كان يسود الفكر العالمي في التطلع نحو التحديث ومواجهة مشكلات التخلف. حيث كان التركيز في البداية على القطاعات الاقتصادية وقطاعات الإنتاج السلعي وقياس حصادها بمعيار الناتج القومي الإجمالي وما يطرأ عليه من تأثر بالنمو والجمود والتخلف. وبعد أن تبين أن الاهتمام بالتنمية الاقتصادية وحده لا يكفي لتحسين الأحوال المعيشية لغالبية السكان، ظهر مفهوم التنمية الاجتماعية أو الشاملة والتنمية البشرية؛ أي الاهتمام بما يهم البشرية من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ثم برز مفهوم التنمية المستدامة(2). ومن المعروف أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اعتمد في تقاريره الدورية عن التنمية مصطلح التنمية البشرية أو الإنسانية ليحل محل مصطلح التنمية الشاملة منذ 1990.وذلك للتأكيد على أن هدف التنمية هو تحقيق احتياجات الإنسان ومتطلباته وتوسيع ثقافته للاستفادة من التنمية والمساهمة فيها. والتأكيد على أن احتياجات الإنسان ومتطلباته تتجاوز الجوانب المادية إلى الجوانب المعنوية مثل الانتماء والمشاركة والشعور بالأمن والعدل وتكافؤ الفرص في الأخذ والعطاء(3). ويرى تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004 على أن النقص في الحرية والحكم الصالح في الوطن العربي جعل أزمة التنمية من الأمور المعقدة. بحيث أصبح أي إصلاح يستهدف بناء نهضة إنسانية في المنطقة يستلزم أن تمتد جهود الإصلاح إلى جوانب متعددة من المجتمع. فلم يعد الإصلاح الجزئي كافيا بل يجب أن يمتد الإصلاح إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ورأى التقرير أن نقص الحرية والحكم الصالح من الأسباب الرئيسية لفشل عملية التنمية البشرية والإصلاح.(4 ).فجميع تقارير التنمية البشرية الصادرة من الأمم المتحدة منذ عام 1991 وحتى 2010 تعد الحقوق والحريات الإنسانية من أهم مكونات التنمية البشرية، وأن التنمية البشرية لا تكتمل دون التمتع بهما. وهكذا يتأكد لنا أن السياسات والإجراءات المالية والاقتصادية قد تشكل شرطا ضروريا للتنمية البشرية، لكنه ليس بكاف إذا لم تتلاءم معه العوامل التي يتضمنها التنظيم المجتمعي. ومن ثم يتوقف الناتج النهائي للتنمية البشرية على نوع الخلطة بين السياسات المالية والاقتصادية من ناحية والسياسات الاجتماعية والثقافية من ناحية أخرى.ليكون الهدف النهائي من التنمية البشرية تمكين المواطن والكادحين والفقراء بصفة خاصة من الحصول على أجور وخدمات تعينهم على مطالب حياتهم(5).
( 3 )
الإنسان هدف التنمية ووسيلتها: وفي ضوء التطور لمفهوم التنمية يتضح لنا أن الإنسان سيصبح الهدف النهائي للتنمية وغايتها، وسيظل العامل الأهم في عمليات التنمية وأنشطتها. فالإنسان هدف التنمية وهو صانعها في نفس الوقت. فالعمران والتقدم والتنمية من صناعة الإنسان ومن أجل الإنسان وأن التنمية للبشر ومن البشر. كما يستدعي مفهوم التنمية البشرية، التنمية المستدامة. ألا يقتصر قابلية الاستمرار في التحسن على الجيل الحالي من المواطنين في فترة زمنية محددة، بل يجب التحسب إلى الأفق الزمني البعيد والتفكير في حالة الأجيال القادمة وما يضمن لها شروط الوفاء المناسب بحاجاتها. وكيف يجب أن نضمن لها حياة كريمة. فليس من العدل أن يستهلك الجيل الحالي أو يستنزف ثروات المجتمع ويستمتع ببحبوحة من العيش، مخلفا للأجيال المقبلة ميراثا من نضوب الموارد أو ضمورا في إنتاجيتها أو تركة ثقيلة من القروض المالية والديون الاجتماعية والثقافية( 6)
أهمية التعليم في إنجاح خطة التنمية: يرتبط نظام الاقتصاد الحر ببعد المعرفة فيما عرف باقتصاد المعرفة، فترتب على ذلك التغير في الميزة النسبية لعوامل الإنتاج. حيث طغت فيها المعرفة ورأس المال البشري وإبداعاته على عوامل الإنتاج الأخرى كالأرض والرأسمال المادي، فأدى ذلك إلى قيام اقتصاد يعتمد اعتمادا كبيرا على المعرفة. ومن ثم أصبحت المعرفة الجديدة والمتجددة أغلى مكونات الإنتاج وأكثرها عائدا. ولاشك أن للتعليم وسياساته وتوجهاته دورا بالغ الأهمية في هذا السياق من خلال تنمية رأس المال المعرفي وتجديده وتراكمه وتطوير قدرات الأفراد والجماعات ورفع مستوياتهم الإنتاجية(7) وتظهر نظرية تنمية الموارد البشرية كيف يزيد التعليم من إنتاجية البشر وقدراتهم على الإيداع بما فيه على الصعيد الإنتاجي بحيث يخلق فرصا جديدة أفضل لعملية الإنتاج. فالارتقاء بالتعليم يؤدي إلى زيادة كفاءة عوامل الإنتاج الأخرى، من خلال تفعيل انتشار أثر التحسن الذي يحدثه في العامل البشري باعتباره عنصر إنتاج. بالإضافة فإن تحسين الكفاءة التي يحدثها التعليم سيساعد على احتواء انخفاض إنتاجية رأس المال المادي وتعويضه نتيجة لاستمرارية تراكمه(8) ولقد أجريت كثير من الدراسات لمعالجة بعض المشاكل الاقتصادية في التربية، فبينت نتائج تلك الدراسات أن التربية يمكن أن تقوم بدور مهم في زيادة النمو الاقتصادي. عندئذ بدأ رجال الاقتصاد والتعليم ينظرون إلى التربية على اعتبار أنها نوع من أنواع الاستثمار ول
3/27/2011
|