دور الحضارة المادية الأميركية. في استعداء الشعوب والعدوان عليها | رجوع
قدمت الحضارات القديمة نماذج رائعة من القيم والأخلاق، ساهمت في تهذيب خلق الإنسان والرقي بمشاعره، تحددت بموجبها معايير لقياس الخير والشر والتمييز بين الحق والباطلِ بينما خلت الحضارة المادية التي تقودها اميركا من أي قيم أو مشاعر انسانية، إذ يطغى عليها الجانب المادي واقتصاد السوق الذي يقيس كل شيء بمعيار الربح والخسارةِ وذلك لأنها حضارة مبتورة ليس لها جذور ثقافية، فبينما لعبت الثقافة دورا مهما في ترسيخ القيم في جميع الحضاراتِ فمثلا تستمد الحضارة العربية الاسلامية جذورها الثقافية من الحياة العربية قبل الاسلامِ ويصور الأدب العربي حياة العرب قبل الاسلام من شرف وكرم ومروءة وشجاعة، ولم يلق الاسلام تلك الاخلاق بل هذبها وعالج بعض أخطائها، وأثناء احتكاك العرب بالحضارات المعاصرة لهم أخذوا منها الكثير مما لا يتعارض مع عقيدتهمِ فتكونت الحضارة الاسلامية من تيارات ثقافية تعاونت في ترسيخ اخلاق وقيم رائعةِ في حين لم تلعب الثقافة أي دور مهم في الحضارة الاميركيةِ فسكانها مهاجرون أبادوا السكان الأصليين واحتقروا ثقافتهمِ وغالبيتهم مغامرون جاءوا بحثا عن العمل وكسبا للمال أو هربا من الاضطهاد الدينيِ وأصبحت الغاية التي تربطهم تحسين مستوى المعيشة كمياِ وهكذا تقلص معنى الحياة عندهم الى التوسع الكمي للأرض وجمع الثروة، فأصبح الجشع والقسوة وقتل الآخر إذا اقتضت المصلحة الاقتصادية ذلك ملمحا رئيسيا في التاريخ الأميركي منذ نشأتهاِ ثم تجسدت تلك القيم عبر تاريخهم حتى الوقت الحاضر فاصبحت المحور والهدف النهائي الذي يحرك السياسة الأميركيةِ ان شفاء الإنسانية يكمن في ان مصير العالم اصبح في يد أصحاب الشركات ذوي القلوب المتحجرة الذين لا يكترثون بقتل الأبرياء طالما ساعد ذلك في تحقيق أطماعهمِ فمن أجل ذلك أشعلوا الحروب، بادئين بمجازر الهنود الحمر فاستولوا على أراضيهم وممتلكاتهم، بحجة انهم متوحشون وعملاء للشيطانِ ثم سرقوا الأفارقة من أوطانهم وجاؤوا بهم مكبلين بالأغلال ليعملوا رقيقا في مزارعهم وبيوتهمِ وبعد إعلان وثيقة الاستقلال دار صراع طبقي بين الأثرياء والفقراء الذين شاركوا في حرب الاستقلال، فطالبوا بتأجيل ديونهم وتحسين ظروفهمِ فجهز رجال المال جيشا سحق ذلك التمرد بالقوةِ وبعد انتهاء الحرب الأهلية التي حسمها الشمال الصناعي بقيمه المادية، برز صراع طبقي مرة أخرى بين الأغنياء والفقراءِ فأسس الفقراء منظمات ليدافعوا عن حقوقهم، وانحاز اليسار الأميركي للطبقة الفقيرة، فخافت الطبقة المهيمنة على السلطة والاقتصاد ان يؤسس الدهماء حزبا سياسيا يهدد مصالحهمِ فسارعوا الى تعديل المناخ الايديولوجي السائد، وإبداله بفكر فلسفي يساعد على امتلاك العقل الأميركي وتوجيهه الاتجاه المنشودِ فأسسوا الجامعات والمدارس والصحف، لأهميتها في صناعة العقول والسيطرة عليهاِ ولم تسمح تلك المؤسسات بتدريس الفكر اليساري بل كانت تدرس نظريات وأفكارا تدعو العامل للتخلص من نظرته الحاقدة على رجال الأعمال، وتؤكد على حرية الانسان في امتلاك ما يشاءِ وانتقدوا البلوريتاريا وفلسفتها، وشجعوا على ظهور أعمال أدبية تتحدث عن الواقعية وتمتدح القطاع الخاص ومجتمع رجال الصناعة والمالِ وهكذا صاغوا أفكار الفلسفة البراغماتية التي تقدم التبرير الفلسفي لفكر القوى المسيطرة على المجتمعِ وتبنت تلك الفلسفة مبادئ خطيرة في السياسة والحياةِ منها الغاية تبرر الوسيلة والبقاء للأقوىِ فالأقوياء هم المدعوون للبقاء على قيد الحياة وقيادة العالمِ وتنكروا لمبدأ الحرية الفردية، ورأوا انها من الارث القديم وانها نوع من الميتافيزيقا، أي انها خيال بعيدة عن الواقعِ فإذا شئت ان تتحدث عن الحرية فحدثني عن حريتي أنا ومن يعنيني أمره، أما الحديث عن حرية الآخرين، أفرادا أو شعوبا، فإنها لا تعنيني طالما انها لا تفيدني ولا توجد قوة ترغمني عليهاِ ورأوا ان السياسة ليست معركة بين الخير والشر، بل صراع مصالح، شأنها كشأن التجارة لا تلتزم بمبادئ ثابتة بل تلتزم بالمصلحة ويكون منهجها عملياِ فإذا اقتضت متطلبات السياسة الخارجية تعديلا في المبدأ السياسي الداخلي فإن هذا التعديل يجب ان يتحققِ وهكذا يسقط الالتزام المبدئي في السياسة الأميركيةِ وطبق علماء النفس الأميركيون المؤمنون بهذه الفلسفة تجارب للتحكم في سلوك الحيوانات، فأرادوا تطبيقها على الإنسان للتحكم في سلوكه وتعديل مشاعره وعاداته لتوجيهه لخدمة الطبقة المسيطرة على المجتمعِ بهذا الفكر الخطير تمكنوا من السيطرة على أبناء المجتمع الأميركيِ ومن ثم بدأوا يتطلعون لمد نفوذهم الى الخارج، فبدأوا بإبعاد الأوروبيين عن القارة الأميركية لبسط نفوذهم السياسي والاقتصادي عليهاِ وفقا لمبدأ مونرو الذي نادى ان للأوروبيين القارة القديمة وللأميركان القارة الجديدة، فشجعوا في البداية حركات الاستقلال لطرد الأوروبيين من أميركا الجنوبيةِ ثم أقاموا حكومات موالية لهمِ ثم أشعلوا الحروب والفتن في أميركا الجنوبية لإضعافها والسيطرة عليهاِ ثم استغلوا الحرب والتدمير المتبادل بين الدول الأوروبية في الحرب الأولى والثانية لبسط نفوذهم على القارة القديمةِ فلم يأتوا للنجدة في الحرب الأولى إلا 1917 بعد التأكد من هزيمة الالمانِ فجاؤوا للمشاركة في مؤتمر السلام والغنائم، ولم يتدخلوا في الحرب الثانية الا بعد ضرب اليابان لبيرل هاربر، فاشتبكوا مع اليابانيين، وظلت علاقتهم بدول المحور (المانيا وايطاليا) وثيقة قبل الحرب وأثناءهاِ وفي 1942 كتب السيناتور ترومان الذي أصبح رئيسا فيما بعد يقول 'إذا ضعف الاتحاد السوفيتي فيجب مساعدته وإذا ضعفت المانيا فيجب مساعدتها المهم ان يدمر بعضهم بعضا'ِ انه يعبر عن جوهر السياسة الأميركية التي تستغل الحروب وتشجع على اشتعالها واستمرارها لاضعاف الدول ليتمكنوا من افتراسها، ولم يتدخلوا ضد هتلر بصورة جدية الا عام 1944، أي بعد ان اوشكت الحرب على ان تضع اوزارها، وبعد ان منيت المانيا بهزيمة منكرة على الجبهة الروسية فقدت خلالها 600 الف قتيل واسير، وبعد ان قضت المقاومة الاوروبية على اي امل لانتصار النازيةِ وكل ما فعلته اميركا بعد اضعاف آلة الحرب الالمانية توجيهها قصفا عشوائيا للمدن راح ضحيته اكثر من مليون بين قتيل وجريح من المدنيين، ثم جاءت بعد الحرب لتفرض هيمنتها وسيطرتها السياسية والاقتصادية على دول اوروبا الغربية التي خرجت من الحرب ضعيفة ومنهكة، ولكنها عندما فوجئت بتقارير المخابرات الاميركية التي اكدت على ان اكبر خطر يواجه امن اميركا هو انهيار اقتصادي في اوروبا الغربية، ستؤدي نتائجه وصول عناصر شيوعية الى الحكم، ولمواجهة هذا الخطر قدمت اميركا مشروع مارشال لاعادة بناء اوروباِ ومن العجيب ان يكتب بعض الاعلاميين العرب من علماء اميركا وبكل وقاحة، يستنكر على الشعب الاوروبي الذي تظاهر ضد العدوان الاميركي المحتمل على العراق، ويتساءل بكل سطحية: كيف تنكر الشعب الاوروبي للمساعدات التي قدمتها اميركا له اثناء الحرب؟ ظنا منه ان الشعب الاوروبي شعب جاهل لا يقرأ التاريخ القراءة الصحيحة الواعية، ولا يدرك حقيقة التدخل الاميركي وبعد انتهاء الحرب الثانية اصبح الاتحاد السوفيتي يمثل امبراطورية الشر من وجهة النظر الاميركية، واعتبروا كل دولة لا تفتح اسواقها بلا شروط امام المصالح الاميركية دولة شيوعية او متحالفة معها، لذلك غزوا كوريا وفيتنام وقتلوا الملايين من شعوبهماِ وبعد سقوط الشيوعية اصبح العالم العربي والاسلامي هو محور الشر من وجهة النظر الاميركية، فبدأوا للتخطيط لغزوه والسيطرة عليه، ولقد اتاح غزو العراق للكويت فرصة للهيمنة الاميركية على منطقة الخليج والسيطرة على منابع النفط فيه، ثم اتخذت من احداث ال 11/9 ذريعة لاحتلال افغانستان ذات الموقع الاستراتيجي المميز والقريبة من منابع الطاقة في آسيا الوسطى وبلاد القوقاز، ومنذ شهور واميركا تدق طبول الحرب ضد العراق بحجة تدمير ما لديه من اسلحة الدمار الشامل ولاقامة نظام ديموقراطي في العراق، ولم تستطع اجهزة الاعلام الاميركية الضخمة ان تقنع شعوب العالم بتلك الاكاذيب، ولقد اثبتت المظاهرات التي قامت بها الشعوب الاوروبية انهم اصحاب مبادئ، وقيم راقيةِ انهم رفضوا اهداف الحرب غير الاخلاقية وبالرغم من انهم لا يؤيدون نظام صدام الاجرامي الا انهم يعتقدون ان ما تريد ان تقدم عليه اميركا اشد خطورةِ ولكن اين يقف الشعب العربي من هذا كله؟ اننا يجب ان نعرف ان اميركا لا تحارب الا لتحقيق اطماعها ومصالحها، وان مصالحها تتعارض دائما مع مصالح الشعوب، لقد قال وزير خارجيتها لاقناع الكونغرس بقبول مبدأ الحرب، ان احتلال العراق سيساعد على اعادة بناء خريطة المنطقة وفق المصالح الاميركية، والمصالح الاميركية كما تصورها الانباء التي بدأت تتسرب من الوثائق الاميركية تفيد، ان احتلال العراق سيكون مقدمة لاحتلال المنطقة العربية لتجزئة الدول العربية الكبرى مثل: مصر والسعودية وسوريا والسودان وتمزيقها الى كيانات لاضعافها والسيطرة عليها، بحجة ان احداث 11/9 قامت بها جماعات تنتمي الى هذه المنطقة، وهذا دليل على حقدهم وكراهيتهم لاميركا، فلا بد من احتلال المنطقة وتنصيب حكومات عميلة لاميركا مقتنعة بتغيير مناهج التعليم وبخاصة مناهج الدين والتاريخ العربي واللغة، واقامة مناهج تساعد في خ
1/3/2003
|