الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
أمراض اجتماعية قد تستوطن مجتمعنا | رجوع
المجتمعات البشرية كالافراد، تنتابها حالات من الصحة والمرض والوفاةِ وقد تعرضت امم عبر تاريخها الى عوامل ضعف وانحلال وفشلت في علاجهاِ فأدى ذلك الى انهيار تلك الامم واندحارها، كما حدث للامبراطوريات الرومانية والفارسية والاسلامية والعثمانيةِ والامم الجادة هي التي تسارع الى التعرف على اسباب الامراض التي تواجهها، وتسخر طاقاتها وقدراتها العقلية والفكرية لمعالجتها قبل ان تستفحل، ومن المعروف ان معظم المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نراها في المجتمع تعود في الاساس الى اسباب فكرية او خلقية، اي ان هناك خللا في القيم والمعتقدات والافكار التي يؤمن بها ابناء المجتمع ادت الى ظهورها. 
ومن المستحيل معالجة تلك المشكلات بمعزل عن معالجة الاسباب الرئيسية التي ادت الى ظهورها، لذا، فإننا سنضيع وقت الامة وجهدها واموالها سدى، اذا لم نضع يدنا على الاسباب الحقيقية المحركة لهذه المشكلات، وسأتعرض في هذا المجال للحسد والجهر بالسوء من القول وآثارهما السلبية على المجتمع. 
الحسد مرض من الامراض النفسية الخطيرة، فالحاسد يتحول الى انسان قاسي القلب شرس الطباع، يكره الخير للناس ويتمنى لهم الشر، يفكر في شتى الوسائل للايقاع بمن يحسدهم في الشر والاذى، ليطفئ نار الحسد التي تشتعل في فؤادهِ ولخطورة شر الحاسدين امر الله نبيه والمؤمنين ان يستعينوا به على شرور الحاسدين، وطالب الاسلام المسلمين بأن يطهروا قلوبهم من الاحقاد، وعده بعض العلماء من الكبائر، كما كان العرب قبل الاسلام يحتقرون هذه الرذيلة، يقول عنترة الشاعر الجاهلي 'لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب'، فهو يرى ان الحسد والحقد لا يمتلئ بهما الا قلب كل انسان وضيع، عجز ان يصل الى ما حققه الآخرون من نجاحات فيحقد عليهم ويرميهم بالاباطيل تعبيرا عن الفشل الذي يعيش فيه. 
واذا استشرى الحسد بين افراد المجتمع تقطعت بينهم اواصر المحبة، ونمت بينهم العداوة والبغضاء، وكثيرا ما يتحول الحاسدون اصحاب القلوب السوداء المليئة بالحقد والضغائن، الى جماعات شريرة يبحثون عن اسباب الفتن والصراع لنشرها في المجتمعِِ ان نار الحسد ستعمي ابصارهم عن الحسنات والفضائل التي يمتلئ بها المجتمع، ويبحثون عن الاخطاء والرذائل التي لا يخلو منها اي مجتمع فيقوموا بتضخيمها، وقد يذهب بهم الحقد الى التخيل وافتراض الاكاذيب ليرموا بها الابرياء. 
ومن اخطر انواع الحسد، ذلك الذي ينتشر بين طبقات مهنية تعمل في مجال واحد، كطبقة التجار او اعضاء هيئة تعليمية او الاطباء، فيفرقهم الحسد الى جماعات وشلل يكره بعضها بعضا، ويحرمهم من التعاون الذي هو اساس النجاح في تلك المجالات الحيوية، والاخطر من هذا كله، ان ينتشر الحسد بين ابناء الاسرة الواحدة، فيعادي بعضهم بعضا، لذا لا نبالغ اذا ما اعتقدنا ان اغلب الصراعات التي تدور في المجتمع، وتؤدي الى مصادمات ونزاعات حادة، وقد تعرقل مشاريع التنمية وتسبب التخلف، يحركها داء الحقد والحسد، لذا يجب معالجة هذه الآفة لتلافي آثارها الخطيرة. 
والجهر بالسوء من القول اي ذكر عيوب الآخرين ومساوئهم جهارا، سواء بالقول او الكتابة سلوك ضار، سيؤدي الى الصراع وتفجير العداوات داخل المجتمع، ان قدرة الانسان على النقاش والحديث من اهم النعم التي انعمها الله على الانسان وكرمه بها على سائر خلقه، فيجب ان نستفيد منها ونجعلها طريقا للخير والصلاح بدلا من استخدامها كأداة للشر والنزاعِ لا شك في ان النقاش والجدل فن رفيع، اذا اتقنه ابناء المجتمع والتزموا في نقاشهم ادب الحوار الرفيع، تمكنوا من خدمة قضاياهم وتوصلوا الى حلول لمعظم مشاكلهم، لذلك يأمرنا الله ان يكون نقاشنا مع اصحاب الديانات الاخرى بالمنطق الهادئ الكريم بعيدين عن العنف، ويتحرج عظماء الرجال من ان يكونوا سفهاء متطاولين او ان يفلت زمام لسانهم حتى في حالات الغضب وتبدر منهم بعض الالفاظ النابية. 
ولكن من المؤسف ان ما نسمع به وما نقرأه في مجتمعنا من مناقشات حادة، تستخدم فيها الفاظ نابية ورمي بالخيانة ومهاترات في السباب وفحش بالقول، يدل على اننا لا نفقه ادب الحوار، فالليبراليون يصفون الاسلاميون بالجهل، وانهم سيجرون المجتمع الى عصر الظلمات، وانهم يتسترون بالاسلام للسيطرة على المجتمع، كما يرمون كل من يعارض فكرهم بالسطحية والخلو من الوطنية، ويصف الاسلاميون الليبراليين ومعظم من يخالف فكرهم بالكفر والخروج عن الملة. 
ان السبب الرئيسي وراء انحدار مستوى النقاش، يرجع الى ضعف الذوق العام في مجتمعنا، الذي لم يسمح لمثل هذا الفجور ان يقال او ان يكتب فحسب، بل كان يشجعهِ ان عضو مجلس الامة الذي يصرخ بأعلى صوته، يخاطب وزيرا زميلا له في المجلس قائلا له: انه سيضع العقال في عنقه ويجره الى المقصلة، لا سيما اذا كان الخلاف راجعا لأسباب تافهة، ثم يجلس في آخر النهار وسط حشد من الناخبين يهللون ويصفقون اعجابا بهذا الفاحش من القول، ان تشجيع الناخبين لهذا السلوك الخاطئ، في ضوء مقاييس القيم الدينية والانسانية والاعراف الديموقراطية، دليل على انخفاض مستوى وعي الرأي العام في مجتمعنا وعدم ادراكه للمفهوم السليم للديموقراطية، فعلينا ان نهتم بتربية الرأي العام، وان ننهض بسلوكه واخلاقه، فوجود رأي عام راق وفاضل سيكون خيررقيب واقوى رادع لوقف هذا الانحدار في مستوى النقاش.


2/23/2003
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com