الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
تأثير المسيحية الصهيونية في القرار السياسي الاميركي | رجوع
عندما اصبحت المسيحية الديانة الرسمية في الامبراطورية الرومانية، اصبح اليهود مضطهدين في ارجاء الامبراطورية، واعتبروا مارقين وقتلة المسيحِ ولما جاءت حركة الاصلاح في القرن ال 16 اختلفت مع الكاثوليك في امور كثيرة، منها: انهم نظروا الى اليهود على انهم امة مختارةِ ورأى مارتن لوثر ان المسيحيين واليهود ينحدرون من اصل واحد، وان المسيح ولد يهوديا، ثم انقلب عليهم لما حاولوا تهويد المسيحيينِ ثم انقسم البروتستانت الى مذاهب منها المذهب البيوريتاني التطهري الذي برز في القرن ال 17 على يد جون كالفن، وغالى في اعطاء الاولوية للعهد القديمِ وبعد اضطهاد البيوريتانيين في انكلترا واوروبا هاجروا الى اميركاِ وحملوا معهم البروتستانتية الكالفينية، واصطبغت هناك بصبغة يهوديةِ فشبهوا هجرتهم بهجرة العبرانيين من مصر، والعالم الجديد بأرض كنعان الجديدة، وملك انكلترا الذي اضطهدهم بفرعون الجديدِ فكانوا يتحمسون لليهودية اكثر من اليهود انفسهمِ ولما كان البروتستانت يشكلون قوة غالبة سادت كنيستهم ومذهبهم، ومع حلول القرن ال 18 اصبح الاعتقاد بإقامة اسرائيل يشكل التزاما لاهوتيا وسياسيا في اميركا، وفي 1850 تغلغلت في الجو الفكري والسياسي الاميركي فكرة البعث اليهودي في فلسطين، اي قبل صهيونية هيرتزل، ونشطت الحركة المسيحية الصهيونية في اواخر القرن ال 19، ولما صدر وعد بلفور صادق عليه الرئيس ويلسون الذي ينحدر من ابوين ينتميان الى الكنيسة المشيخية، وتربى على التعاليم البروتستانتية الاميركية، وكان يقول: يجب ان نكون قادرين على اعادة الارض المقدسة الى اهلها، والتزم خلفاء ويلسون في الرئاسة بالموقف الصهيونيِ 
ومع بداية القرن ال 20 بدأت الاصولية المسيحية الاميركية تتشكل بإطار نظري تبلور في نشر سلسلة تضم 90 بحثا، تحت عنوان 'الاصول' صدرها البروتستانت المعادون للحداثة، وترى النظرة الاصولية ان اميركا ستكون في حال نهضة عندما تستعيد تراثها المسيحي ـ اليهودي وتتمسك به، وفي 1942 تأسست الرابطة الوطنية للانجيليين التي تضم تحت مظلتها آلاف الكنائس الاصولية، ونقل تأسيس هذه الرابطة الاصولية من الجانب النظري الى الواقع، فاستطاعت ان تكون دينا شعبيا ذا قاعدة جماهيرية، وساهم انتصار اسرائيل 67 في دعم صهيونية المسيحية الاصولية الاميركية، فاعتبرت احتلال اسرائىل لبقية ارض فلسطين، وبخاصة القدس تأكيدا على ان خطة الرب تكتمل، على اعتبار ان القدس هي المدينة التي سيحكم المسيح منها العالم عند مجيئه الثانيِ وادى وصول كارتر وريغان الى البيت الابيض كمسيحيين يؤمنون بالتنبؤات التوراتية الى صعود المسيحية الاصولية في اميركا طيلة السبعينات والثمانينات فأصبحوا جزءا مهما من التركيبة الحاكمة التي خططوا للوصول اليها، ومن ثم اسسوا منظمات اصولية ذات قاعدة جماهيرية، مثل: منظمة الاغلبية الاخلاقية لجون فولويل، والسفارة المسيحية الوطنية للدفاع عن اسرائىل في القدس، ومؤسسة جبل المعبد لبناء الهيكل، وبدأت هذه المنظمات تعمل على الانتشار وجذب الانصار من المسيحيين المحافظين، فبدأت تتكون جماعات تجمع بين المحافظين سياسيا والاصوليين دينيا، فعملت على تغيير المجتمع الاميركي جذرياِ فنجحت في ترويج الكثير من المعتقدات مثل ان دعم اميركا لإسرائىل، ليس التزاما سياسيا وانما رسالة الهية بسببها يبارك الرب في اميركا، كما ساهم انتشار الشبكات الاذاعية والتلفزيونية في صعود الاصولية المسيحيةِ 
ويتجلى تحالف المسيحية الصهيونية الاميركية مع الصهيونية اليهودية، في المؤتمر الذي عقدته الكنائس الانجيلية عام 85 بمناسبة مرور 88 عاما على المؤتمر الصهيوني، حيث عقدوا مؤتمرا في المدينة نفسها والفندق والقاعة والشهر واليوم نفسها، وانبثق عن ذلك المؤتمر منظمة تحمل اسم 'السفارة المسيحية الدولية' لتقوية النفوذ المادي والمعنوي للكنيسة لتحقيق التنبؤات التوراتيةِ ومن اهم منجزاتها: نقل يهود الاتحاد السوفيتي الى اسرائىل، انهاء المقاطعة ضد المصالح الاسرائىلية، حمل دولتي الفاتيكان واسبانيا الكاثوليكيتين ودول شرق اوروبا على الاعتراف بإسرائىل، ودعوة دول العالم على الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لاسرائىل، كما تجلى ذلك التحالف بالمقال الذي كتبه مايكل هورو فيتز عام 95 وهو محام يهودي قال 'انه سعيد كيهودي اميركي، للاخوة التي ابداها المجتمع المسيحي في مواجهة الحركات المناوئة للسامية'، وطالب يهود العالم بالتحرك لمواجهة ما يلاقيه المبشرون المسيحيون من اضطهاد في المجتمعات الاسلامية، وقارن بين اضطهاد المبشرين بما لاقاه اليهود على يد هتلر، ونادى بإقامة تحالف يهودي بروتستانتي لمواجهة الاسلام، وذكر كيف اثمر التحالف اليهودي ـ المسيحي ضد الاتحاد السوفيتي العدو الذي سقط، ونادى بانشاء تحالف يهودي مسيحي جديد لمواجهة العدو الجديد الإسلامِ 
واستجابة لهذه الدعوة تحرك الانجيليون البروتستانت لانقاذ مسيحيي العالم، فعقدوا مؤتمرا تحت عنوان 'الاضطهاد العالمي للمسيحيين' ثم اصدرت 'الرابطة الوطنية للانجيليين' (تضم 42 الف تجمع انجيلي) بيانا عام 96 تحت عنوان 'بيان لاثارة الضمير'، ثم بدأ الضغط على الادارة الاميركية لتجعل الاهتمام بذلك البيان ضمن اولوياتهاِ وبالفعل شكل الرئيس كلينتون لجنة برئاسة وكيل الخارجية المساعد جون شالوك، عام 97، لدراسة البيان، ثم اصدرت تقريرها في مطلع 98 تحت عنوان 'سياسة اميركا الداعية للحرية الدينية مع التركيز على وضع المسيحيين'ِ ثم بدأت الحملة اليهودية المسيحية بالضغط على الكونغرس، وبالفعل صدر قانون 'الحرية الدينية' في اكتوبر 98 وتم العمل به فورا، واعطى ذلك القانون اميركا تفويضا مطلقا لاتخاذ الاجراءات العقابية لحماية المضطهدين، وجعل الخبرة الاميركية المرجعية العليا في تفسير القوانين الدولية المتصلة بالحريات الدينية، فهو يكرس اميركا كقوة عظمى وحيدةِ وصاحبة الحق في ادارة العالمِ وتوضح غريس هالسل التي كانت تعمل في البيت الابيض، في كتابها 'التنبؤات التوراتية' تأثير المسيحية الصهيونية على القرار الاميركي بقولها: 'في كل مرة يجتمع المجلس القومي الاميركي لاتخاذ قرار بشأن الشرق الاوسط، يدعى ممثل من الكنيسة الانجيلية ليأتي القرار متوافقا مع التنبؤات التوراتية، وفي كل مرة يتم انتخاب رئيس اميركي يتولى احد رموز هذه الكنيسة ترؤس قداس حلف اليمين الدستوريةِ 
وتؤمن هذه الحركة بأن الدولة اليهودية ستتعرض لهجوم من غير المؤمنين، وبخاصة المسلمين، تتسبب بحدوث مجزرة تدعى هرمجدون يقتل فيها مئات من المهاجمين واليهود، ومنذ سنوات والقس بيلي غراهام يردد في مواعظه التي تنقلها شبكات التلفزيون الاميركي 'ان العالم يتحرك بسرعة نحو هرمجدون'ِ فعندما يؤمن كارتر وريغان ووزراء الدفاع بمعركة هرمجدون، وتوزع نسخ من كتاب القس هل الذي يفسر فيه حلم يوحنا حول معركة هرمجدون على كبار الشخصيات وقادة القوات الاميركية، عندما يحدث هذا علانية، فإن هذا يعني ان سياسة اميركا في الشرق الاوسط ستصبح أسيرة لهذا المفهومِ ويعكس قرار الكونغرس اعتبار القدس عاصمة لاسرائيل والمطالبة بنقل السفارة الاميركية اليها، مدى قدرة الحركة الاصولية على التأثير في صناعة القرار الاميركيِ فقرار الكونغرس بشأن القدس لم تمله مصالح اميركية، بل املته معتقدات دينيةِ وعلى السياسة الاميركية ان تستجيب لهذه المطالب الإلهيةِ لذلك من السذاجة ان نطمع في ان تقف اميركا مع الحق العربي ضد اسرائيلِ وذلك لان اسرائيل في الايمان الاميركي فوق القوانين الدولية الوضعية، وانها تجسيد لارادة الهية مقدسة، فأي مساس بها هو تحد للمشيئة الالهيةِ 
ولعل هذا هو الذي جعل الرئيس بوش يصف الرئيس عرفات بالارهابي وشارون رجل سلام واعلن انه لن يتعامل مع عرفاتِ وذلك لان عرفات يردد 'ان القدس هي عاصمة الدولة الفلسطينية'ِ فالرئيس بوش الذي اعلن ان الفيلسوف السياسي المفضل عنده هو يسوع المسيح، وانه لكي يدخل الجنة يجب ان يكون مسيحيا وانه تحالف مع اليمين المسيحي ليفوز بالرئاسةِ فلا بد له ان يلتزم بمبادئهمِ لهذا اعلن بعد ال 11/9 انه سيجعلها حربا صليبية، وقد تستمر اكثر من 10 سنوات حتى تحقق اهدافهاِ لا شك أنه يعبر عن مشاعره الدينية الكارهة للعرب والمسلمينِ ويسعى لاشعال الحروب في العالم العربي والاسلامي، لتفكيكه واضعافه وتدميرهِ لتحقيق امن اسرائيل وتمكينها من اقامة دولتها الكبرى، ولتمكين الشركات الكبرى من السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتهاِ 
ثم يأتي دور رجال الدين والاعلام لتقديم التبريرات لتلك الاعتداءات والترويج لها، فالقس غراهام يزعم ان الاسلام ليس مصدرا للشر بل هو الشيطان نفسه، وان القرآن كتاب مليء بالشر وانه اكثر شرا من كتاب 'كفاحي' لهتلرِ 
ولما زار نتانياهو اميركا سأله القس فولويل عن مدى ما تستطيع اسرائيل ان تتخلى عنه من ارض فلسطين في مقابل السلام؟ فاجابه: لا نستطيع ان نتخلى الا عن القليل، فرد فولويل، ولا عن انش واحد حتى يعود المسيحِ وهو الذي تجول مع شارون اثناء اجتياح لبنان ليبارك مجازر صبرا وشاتيلاِ ووصفه بيغن بالرجل الذي يمثل 60 مليون من المسيحيين الاميركيينِ وحصل على اعلى وسام صهيوني وهو 'جائزة جابوتنسكي'، نظيرا للخدمات التي اداها لاسرائيل، بالاضافة الى 100 مليون دولار من دولة اسرائيل و140 مليون دولار من منحة سواجرتِ هكذا كان دور رجال الدين الاميركيين يحرضون على القتل والاستيلاء على اراضي الغير ويصورنها وكأ

5/1/2003
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com