الأفغان والأميركان العرب الدوافع والسلوك | رجوع
لقد كان الشباب العربي والمسلم الذين تطوعوا للجهاد في افغانستان بسطاء في دوافعهم ومسلكهمِ لم يتحركوا لتحقيق مكاسب مادية او دنيوية، بل كانوا ملبين نداء دينهمِ ولم يكونوا على علم بأن المخابرات الاميركية هي التي كانت تقود تلك المعركة وتوجهها، مدعومة من مخابرات عربية وباكستانيةِ وكان الخطاب الديني الذي يثير حماس الشباب ويدفعهم الى الجهاد ضد الروس يهول جرائم الجيش الروسي في افغانستان، في حين تجاهل ذلك الخطاب الدعوة للجهاد ضد الصهاينة الذين استوطنوا ارض فلسطين واستعبدوا شعبها، وبعد استيلاء طالبان على الحكم وانضمام جماعة بن لادن والجهاد الاسلامي اليهم، بدأوا بتشكيل وحدة جهادية سياسية متجانسة اخذت تجذب اليها العديد من الشباب العربي والمسلم الراغب في الجهاد، ومن ثم حولوا فكرة الجهاد من الجهاد ضد الاتحاد السوفيتي المنهار الى الجهاد ضد الكفرة الاميركان الذين يحتلون ارض العروبة والاسلام، وحلفاء اسرائيل الذين يمدونهم بالقوة المادية والمعنوية لقتل الشعب الفلسطيني وتدمير ممتلكاته. لا شك ان اميركا كانت ترصد تحركات المجاهدين الافغان والتبدل في سياستهمِ ولعلها ادركت التشابه الكبير بين المجاهدين الافغان والجماعات المجاهدة التي رفعت رايات الجهاد في اواخر القرن 14م وكانوا نواة لتأسيس الخلافة العثمانية التي تمكنت من فتح القسطنطينية وأسست خلافة اسلامية قوية امتدت زهاء خمسة قرون، عندئذ رأت خطورة هذه الحركة فقررت وأدها وهي في المهد قبل ان تقوى ويستفحل امرهاِ كما قررت الاستيلاء على بلاد الافغان ذات الاهمية الاستراتيجية لوقوعها في قلب العالم الاسلامي وقربها من التكتلات السكانية الكبرى في العالم: الهند والصين وروسيا وايران، وقربها من منابع الطاقة في آسيا الوسطى وبلاد القوقاز. وجاءت احداث 11/9 لتعطي اميركا فرصة لتحقيق اهدافها التي كانت تخطط لها قبل تلك الاحداثِ فاعلنت بعد ساعات قليلة وقبل ان تباشر لجان التحقيق اعمالها مسؤولية جماعة بن لادن عن تلك الاحداث، ثم اعلنت الحرب بعد مرور اقل من شهر على ذلك التاريخِِ لا بعد ان قدمت دليلا على ما يثبت ادعاءاتها، بل بعد ان اكملت خطة الغزو والتدميرِ وبعد قصف استمر اكثر من شهرين استخدمت فيه اميركا ترسانتها الحربية المتطورة ضد شعب بسيط لا يعرف كيف يواجه تلك الاسلحة، تمكنت اميركا من اسقاط حكومة طالبان واقامة حكومة عميلة لهاِ ثم اخذت تتفاخر وتتباهى بهذا النصر على ذلك الشعب الضعيفِ وهكذا تبدو اميركا في قضائها على المجاهدين الافغان انها دولة انتهازية ليس لها صديق، ولا تحمل اي رأفة او مشاعر انسانية تجاه ضحاياهاِ انها ابادت جماعة قامت بصنعها واستغلتها لاستنزاف الاتحاد السوفيتي وانهاك قواهِ فلما تفكك الاتحاد السوفيتي وسقطت الشيوعية بفضل بسالة اولئك المجاهدين وشجاعتهم، قررت ابادتهم لمجرد انهم اعلنوا عداءهم لاميركا وحليفتها اسرائيل، وقتلت معهم آلاف الابرياء، وبعضهم قائم يصلي في ليالي رمضان، فلم تراع حرمة ذلك الشهر ولا دور العبادة الاسلامية فجميعها لا يساوي شيئا عند آلهة الحرب الاميركية. ولعل ما فعلته اميركا في افغانستان من تدمير وقتل الابرياء من المدنيين ينسجم مع التاريخ العسكري لهذه الدولةِ فقد قتلت ملايين المدنيين من الهنود الحمر واليابان وكوريا وفيتنام وكمبودياِ فلا يهمها قتل الابرياء ما دام ذلك القتل يخدم مصالحها واطماعهاِ لذلك نجدها تؤيد جرائم شارون وتحثه على ارتكاب المزيد، وتشل مجلس الامن والامم المتحدة وتمنعهما من اتخاذ اي اجراء يدين اسرائيل او يمنعها من تحقيق اهدافها العسكريةِ فهي لا تهتم بمبادئ الامم المتحدة او قوانينها، بل تريد ان تحول تلك المنظمة لمجرد آلية شكلية تضفي الشرعية الدولية على المواقف التي تخدم المصالح الاميركية وتعرقل تلك الآلية اذا تعارضت مع المصالح والارادة الاميركية. اما الاميركان العرب فهم مجموعة ذات طموح سياسي واقتصاديِ كان معظمهم يمجد الشيوعية ويحارب في معسكراتها او من اجل القومية، فلما هوى نجما الشيوعية والقومية لم يذرفوا عليهما دموعا، بل سارعوا في التملق للقوة الجديدة التي بزغ نجمها، واعلنوا استعدادهم للقيام بالدور الذي تأمرهم به اميركا، وانهم اكثر قدرة على محاربة الاصولية الدينية من حكومات المنطقة الضعيفة التي تجامل الاصوليين ولا تجرؤ على معاداتهم. وهذه الجماعة التي تصف نفسها بالنخبة الثقافية المتميزة وتدعي انها تفهم الحقائق بصورة اوضح واعمق من العامة، بدأت ترفع اصواتها عاليا تمجد اميركا وسياساتها، وتصف غضب الرأي العام العربي على السياسة الاميركية المنحازة لاسرائيل بالغوغاء وينادون بضرورة التدخل الاميركي في المنطقة العربية لتطوير نظامها السياسي والثقافي وتهذيب الطبيعة الشريرة لدى العرب والمسلمين التي صاغتها الثقافة العربية الاسلامية التي تدعو للجهاد ومحاربة الاعداء، فهم يؤكدون على ان هذه الأمة عاجزة عن إحداث التغيير الصالح لظروفها. فهي بحاجة الى التدخل الاميركي لتهذيب طبيعتها وتطوير نظامها السياسي والثقافي. وإمعانا في تضليل الرأي العام العربي بدأت هذه الجماعة في تسويغ مزاعم اسرائيل فوصفوها بأنها دولة راغبة في السلام، ولكن الفلسطينيين هم الجهة التي ترفض السلامِوان عرفات والسلطة الفلسطينية جماعة ارهابية شبت وترعرعت في احضان المقاومةِ لذا فإنها لا تفهم إلا لغة المقاومة والحرب وعاجزة عن فهم ثقافة السلامِ لذا لا بد من استبدالهم بشخصيات تستطيع ان تتفهم مطالب اميركا واسرائيل وشروطهما للسلام بغض النظر عما اذا كانت تلك الشروط مذلة ومهينة للعرب والمسلمين وتتناقض مع الشرعية الدولية. وسواء أكانت تلك الجماعة تتبنى تلك الافكار نتيجة لاصابتها بأمراض نفسية جعلتها تشعر بالانهزام الداخلي ومن ثم بدأت تعتقد بضعف هذه الأمة وعدم قدرتها على تحدي الارادة الاميركية، ام انها تتبنى تلك الآراء نفاقا وتملقا لاميركا ظنا منها ان ذلك النفاق سيساعدها على تحقيق طموحها السياسي والاقتصاديِ ففي كلتا الحالتين فإن هذه الجماعة تشكل خطرا على هذه الامة وانها بمثابة السرطان الذي يجب محاصرته ومكافحته قبل ان ينتشر في جسد هذه الأمة ويدخلها في حالة اليأس ويحطم معنوياتها. إننا بحاجة الى فكر يؤمن بقيمة هذه الأمة الثقافية والحضارية وقدرتها على النهوض والتحدي والصمود يخطط لمواجهة التحديات ويبحث عن وسائل لمعالجة اسباب الضعف ويدعم الجوانب الايجابيةِ فكر يكشف هذا التضليل الإعلامي الذي تقوم به تلك الجماعة ومن وراءها ويهزم حالة اليأس التي تريد ان تنشرها هذه الجماعة المضللة، ويرفع الروح المعنوية للانسان العربي ليتمكن من مواجهة هذه المرحلة الحرجة من حياة هذه الأمةِ فكر يقول لهذه الجماعة التي تتوهم انها صديقة لاميركا يقول لهم ان اميركا لا تريدكم اصدقاء بل عملاء تستخدمكم لتحقيق اغراضها ثم ترميكم بلا رحمة كما رمت من هو اقوى منكمِ كما رمت شاه ايران وملك الفلبين وغيرهماِ انكم مجرد عملاء تستخدمكم ضمن حملة إعلامية تستهدف غسل العقل العربي وتضليله وتطويعه ليتقبل جرائم اسرائيل وما تمليه اميركا واسرائيل من شروط مذلة ومجحفة للعرب. من المؤكد انه لا يوجد انسان عربي عاقل ومخلص لأمته يتمنى ان يعادي دولة كبرى مثل اميركا، ولكن المأساة ان اميركا هي التي تمد يد البغضاء والعداء لامتنا كلما مددنا لها يد الصداقة والمحبةِ إننا منذ اكثر من عامين لا نسمع ولا نرى سوى قصف اسرائيل بأسلحتها الحربية المتطورة لشعب اعزل ضعيف يقاوم الاحتلال الاسرائيلي بالحجارة واسلحة بسيطة وهو امر مشروع وتقره الديانات والقوانين الدولية ويموت من هذا الشعب يوميا اطفال ونساء ورجال. ولا نسمع من اميركا سوى التأييد الاعمى لهذا العدوان واتهام الشعب الفلسطيني المظلوم بالارهاب بل اتهام العرب والمسلمين والدين الاسلامي.
11/5/2002
|