ضياع التأمينات بين جهل المجلس وعجز الحكومة | رجوع
لم تكن هزيمة الحكومة أمام التصدي لرغبة أعضاء مجلس الأمة ـ المطالبين بتغيير قانون التأمينات الاجتماعية، وإحلال قانون جائر، سيضر بالمؤسسة وسيدمرها ـ مستغربة، بل كانت أمرا متوقعاِ فلم تكن تلك الهزيمة الأولى للحكومة، ولن تكون الأخيرةِ فالحكومة تحمل عوامل ضعف تجعلها عاجزة عن استخدام ما تمتلك من إمكانات ضخمة وأساليب لمواجهة تكتل نيابي لا يملك سوى الخطب الإنشائية المتناقضة مع الروح العلمية والمصالح العامة للدولةِ ان الحكومة لم تواجه تلك الأزمة، منذ بدايتها حتى نهايتها، بروح الفريق الواحد، الذي يظهر استعداده للدفاع عن قضاياه وتصوراته بكل إخلاص وإصرار وحماس وتخطيط مسبقِ بل ظهرت بصورة ضعيفة مهلهلة مترددة لا تحسن التخطيط ولا الدفاع فخسرت قضية عادلة، لأن المجتمع الديموقراطي بحاجة الى حكومة قوية، قوية بآرائها وأساليبها ونزيهة في مسلكها لا تتناقض تصرفاتها مع ما تطالب به، حتى تتمكن من مواجهة التكتلات التي تعارض سياساتها الاصلاحية. لو عرضت هذه القضية على قضاء عادل وذكي، ودرس آراء الخبراء الاكتواريين، وأدرك الكوارث التي ستصيب المؤسسة إذا طبق ذلك القانون الذي أقره المجلس، فلا شك في انه سيحكم ببطلان ذلك القانون الجائرِ وسيدرك الدوافع الشخصية والانتهازية التي دفعت الأعضاء لإقرار مثل ذلك القانونِ ان القضاء العادل سيدين السياسيين الانتهازيين الذين يتعامون عن رؤية الأدلة والبراهين، ولا يستمعون الى صوت الحق المدعم بالأسلوب العلمي ومنطق الرياضيات الواضح الذي لا يقبل الشك، ويفضلون أساليب الفوضى والارتجال والردح والخطب الانشائية التي تفتقر إلى العلم والمنطق لتشريع قوانين تخدم مصالحهم الخاصة ومصالح ناخبيهم الآنية وتضر بمصالح الأمة ومستقبل مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية. ان قانون التأمينات الاجتماعية المطبق في الكويت يحمل الكثير من الامتيازات للإنسان الكويتيِ وسن التقاعد المطبقة فيه أقل بكثير من السن المطبقة في دول العالم كافة، وهناك جداول مقارنة تؤكد ذلك وتوضحهِ إذا فالمطالبة بتخفيض سن التقاعد الى سن أدنى من النظام القائم هو نوع من العبث لا مبرر لهِ ولا شك في ان الموافقة على ذلك القانون لن تضر بمؤسسة التأمينات من الناحية الاقتصادية فحسب، بل ستضر الإنسان الكويتي، لأن القانون سيغرس فيه حب الكسل ويضعف دوافعه للعمل والرغبة في الاستمرار فيه الى نهاية العمر الإنتاجي للفردِ في حين ترى جميع الدراسات التربوية والاجتماعية التي أجريت في الكويت، ان الإنسان الكويتي بحاجة ماسة إلى ان يغرس فيه حب العمل والإنتاج، وإشعاره بأن عصر الريع الذي يعتمد على الايرادات النفطية أوشك على الانتهاءِ ويجب ان يحل محله اعتماد المجتمع على ايرادات مواطنيه وانتاجيتهمِ خصوصا ان التركيبة السكانية في المجتمع الكويتي، التي تجعل المواطنين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من السكان ومن القوى العاملة، تقتضي استمرار المواطنين في العمل الى أطول فترة ممكنة. أما ما أثاره بعض الأعضاء من تناقضات في مسلك الحكومة التي رأوها تتشدد في رفض إقرار قانون التأمينات المقترح حرصا منها على المال العام ـ في حين ان هذه الحكومة نفسها أقرت مكافآت مالية ضخمة لأعضائها من المال العامِ وانها كانت تعلم بوجود فساد في إدارة مؤسسة التأمينات أدى الى خسارة المؤسسة مبالغ مالية جسيمة في استثماراتهاِ وسكتت الحكومة عن ذلك الفساد ولم تحاسب المسؤولين عنه ـ هؤلاء البعض بدأوا يتساءلون: كيف تطالب الحكومة الشعب الكويتي بالحفاظ على المال العام، في حين تتصدر هذه الحكومة قائمة المبذرين وغير الحريصين على الحفاظ على ذلك المال؟ لا شك في ان هذا النقد قد أحرج الحكومة والمدافعين عن القانون وأضعف موقفهم وأفقدهم المصداقية. ولكن، على الرغم من احترامنا للمعلومات القيمة التي أثارها الأعضاء وأحرجوا فيها موقف الحكومة، فاننا نعتقد انه لا يجوز اتخاذ ذلك مبررا لإقرار قانون ضار بمصالح مؤسسات الدولة الاقتصاديةِ فالخطأ يجب ألا يعالج بخطأ أفدح منهِ فلا يجوز مساومة الحكومة والسكوت عن أخطائها والفساد القائم بالمؤسسة في مقابل إقرار قانون ضار بالمؤسسة ومستقبل الدولةِ فهناك أساليب متعددة يعرفها الأعضاء يمكن اتباعها لمعالجة الفساد وتحقيق الإصلاح. يجب ان يدرك الأعضاء انهم في انتصارهم على الحكومة، بإقرار مثل ذلك القانون الجائر، لا يعني انهم سيأخذون من أموال الحكومة ويقدمونها للشعب الكويتيِِ فالأموال جميعها للشعب، ويجب الحفاظ عليها وعدم التبذير فيها حتى لا تنضب. وإننا لعلى يقين بأن صاحب السمو أمير البلاد سيقف موقفا حاسما لا لبس فيه ولا غموض ولا مجال فيه لحلول وسط، لوقف الهدر والتبذير في أموال الدولة، سواء من المجلس أو من الحكومةِ فالتبذير سلوك خطير نهانا ديننا عنه حيث يقول 'ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا'، لذا نأمل ان يشرح سموه للسلطة التنفيذية والتشريعية وكافة الشعب الكويتي المسلك الصحيح الذي يجب ان يتبع حفاظا على أموال الدولة ومستقبل الأجيال القادمة.
4/27/2002
|