لماذا هذا الخطاب الأميركي؟ | رجوع
لم يكد يمر أكثر من 6 شهور على أحداث 11/9، حتى ظهر تحول كبير في مشاعر الدول التي أبدت تأييدا وتعاطفا مع الولايات المتحدة في تلك الاحداثِ حيث ظهرت مشاعر كراهية لأميركا وتخوف من سياساتها غير الواضحة لدى معظم الدول والشعوب التي أيدتها في بداية تلك الاحداثِ ومن اهم اسباب هذا التحول: 1- استخدام أميركا آلة حرب فتاكة ضد شعب ضعيف وجائعِ وبعد ان قتلت منه آلاف الابرياء، وقضت على حكومة طالبان وتنظيم القاعدة، واقامت حكومة تابعة لها، يحمل عدد من وزرائها الجنسية الاميركية ومع ذلك تدعي ان الحرب مازالت في بدايتها، وانها ستستمر في تلك الحرب في كل ركن من اركان المعمورة. 2- بالرغم من ان اسرائىل لم يكن لها وجود في بداية حرب اميركا ضد الارهاب، اذ بها تصبح اليوم المستفيد الاول من تلك الحرب فشجعت الارهابي شارون على ذبح الشعب الفلسطيني، ووصفته بالصديق والحليف ودعته لزيارة البيت الأبيض أكثر من مرة بينما رفضت استقبال الرئىس الفلسطيني، ووصفته بأنه رئىس مافياِ وشجعت حكومة اليمين الاسرائيلي على خرق اتفاقية السلام التي وقعت تحت رعاية اميركية، فاعطت لها الحق في ان تتوغل قواتها في الاراضي المخصصة للسلطة الفلسطينية، لتهدم ماتشاء، من منازل او منشآت او مزارعِ وان تدخل على المدنيين في منازلهم، لتعتقل او تغتال او تنكل بمن تشاء واصبح في ظل شريعة القانون الاميركي جميع المنظمات الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال الاسرائىلي وعناصر المقاومة اللبنانية منظمات ارهابية، يهدد كل من يساعد تلك المنظمات، او يقدم لها دعما بأنه سيصبح طرفا راعيا للارهاب وستحل عليه اللعنة الاميركية. 3- المعاملة الوحشية لأسرى حرب افغانستان، واعطاء اميركا لنفسها الحق في ان تضفي تفسيرها الخاص لمعاملة اسرى الحرب، وعرضهم على شاشات التلفزيون اذلاء مقيدين بالاغلال خائري القوى، يقود الاسير الواحد اربعة جنود مدججين بالسلاح اظهارا للبطش الاميركي وتخويفا لكل من تسول له نفسه تحدي الارادة الاميركيةِ ثم يفتخر الرئىس بوش على هؤلاء الضعفاء قائلا: انظروا الى عناصر القاعدة وجماعة طالبان الذين كانوا يحتلون افغانستان، انهم يحتلون زنازين السجون في قاعدة غوانتانامو. 4- كما افتخر الرئيس بوش بأنه تمكن من تحرير المرأة الأفغانية من عبوديتها، فأصبحت جزءا من الحكومة الافغانية، ورحب بوزيرة شؤون المرأة ونائبة رئيس الوزراء التي دعيت خصيصا لتصبح عضوا في الوفد الافغاني وتأكيدا لأهمية الانجازات الاميركيةِ فاعطى لنفسه الحق في تغيير قيم المجتمع الافغاني، وفرض عليه نمط الحياة الاميركية. 5- الهجمة الظالمة على السعودية، والادعاء بأن المعاهد الشرعية التي يتخرج منها العلماء والفقهاء هي التي تخرج الارهابيين، والمطالبة باغلاقها او اعادة صياغتها وفق المطالب الاميركيةِ بل الاخطر من ذلك ما ادعاه البعض بان الامير عبدالله هو الذي يحتضن تلك المعاهدِ ولا يخفف من ضراوة تلك الحملة اتصال الرئىس بوش بالامير عبدالله ليؤكد له على متانة العلاقة الاميركية ـ السعودية، وان تلك الآراء لا تعبر الا عن آراء اصحابها، لأن الرئىس بوش اثناء لقائه باللوبي اليهودي فضل شارون صاحب السجل الحافل بالاجرام على الملك فهد سليل الاسرة الحاكمة التي تمتد قروناِ ولكن هذه حقيقتهم: إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، واذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنا معكم انما نحن مستهزئون. 6- رغبة الرئيس بوش العارمة في توسيع دائرة الحرب، لتشمل دولا وصفها بأنها تمثل 'محور الشر'، والتي لن تفلت من العقاب والتأديب الاميركيِ وعندما تحدث عن توسيع دائرة الحرب كان وكأنه يتقمص شخصية اله الحرب الروماني الذي لا يقهر، والذي وضع الارض تحت قدميهِ ولقد زاد من حماسه اصوات المهللين الذين صفقوا وهم وقوفِ اعجابا وترحيبا ودعما لسياسة اشعال الحروب ضد دول العالمِ وعلق وزير دفاعه الاكثر تعطشا للحرب والدماءِ في رده على الصحافيين الذين سألوه عن ما يقصده الرئيس بدول محور الشر، قائلا: ان خطاب الرئيس كان واضحا بصورة كلية. هذه اهم العوامل التي ادت الى ظهور مشاعر الكراهية تجاه اميركا بعد ان تبين للعالم من خلال الخطاب الاميركي ان هذه الادارة ذات نزعة قتالية محبة للحرب كارهة للسلامِ وان الهجوم لا الدفاع اصبح الموقف الاستراتيجي لديها من اجل السيطرة والهيمنة على العالمِ ولديها رغبة صريحة في استخدام القوة المفرطة ضد اي دولة تعتبر في نظرها مارقة او غير متعاونة في حربها التي وصفها الرئيس بأنها حرب الحضارة ضد الهمجية. من هنا بدأ يسري نوع من الذعر لدى اوساط دول كثيرة من تلك السياسة، وظهرت ردود فعل غاضبة تجاههاِ وكان ساسة دول الاتحاد الاوروبي في مقدمة المنتقدين لهاِ فوصفوها بالاحادية وانها تتسم بالغباء، وتساءلوا الى اين ستقودهم تلك السياسة؟ ووصفوا سياسة اميركا ازاء الارهاب بأنها متهورة ومبسطةِ وطالب بعضهم اميركا بالتوقف عن معاملة الاصدقاء وكأنهم تابعون للامبراطورية وعديمو الوزنِ كما ندد بهذه السياسة بعض الساسة الاميركيين، واعضاء من الحزب الجمهوري والديموقراطي، الذين تخوفوا من خطورة نتائجها واعتقدوا انها قد تقود الى كارثة. ووصف الساسة الايرانيون الرئيس بوش بأنه وقح ولم يتلق تربية حسنة، وانه يحمل عقل عصفور في جسم ديناصورِ وقال عنه رئىس كوريا الشمالية انه طفل غرير دخيل على السياسةِ ولما زار الرئيس بوش اليابان وكوريا الجنوبية، وتحدث عن دول محور الشر، ووجه باحتجاجات شعبية عنيفة، وصفته بأنه هو الشر ذاته وانه مصدر الارهاب والبلطجةِ مما اضطره ان يعلن امام تلك الجماهير الغاضبة انه لا ينوي مهاجمة كوريا الشمالية. لان تلك الجماهير الواعية، كانت تريد عن ان تجنب دولها ويلات الحروب، وتنأى بها ان تتحول لمسرح عمليات عسكرية لخدمة المصالح الاميركية. وبينما نرى ردود الفعل الغاضبة ضد السياسات الاميركية ترتفع في جميع انحاء العالم لا نرى ولا نسمع داخل الدول العربية سوى صمت رهيب ومخيف تجاه تلك السياسة الظالمةِ وكأن الانحياز السافر والظالم لإسرائيل لا يعنيهم، او كأن الاتهامات الاميركية للثقافة العربية والاسلامية غير الموضوعية وغير المبررة لا تقض مضاجعهمِ فهذا السكوت العربي ازاء هذا الظلم يؤكد بصورة لا شك فيها ولا جدال، ان هذه الامة العظيمة قد خلت من قيادات حكومية وشعبية قادرة على حمايتها والدفاع عن مصالحهاِ بل الاخطر من ذلك ان تجد الامة فريقا من ابنائها يسارع في تبني النهج الاميركي الرامي إلى تدمير الثقافة العربية والاسلاميةِ ويعلن استعداده لتنفيذها اعتقادا منه ان هذا التملق سيساعده على تقلد مناصب قيادية في مجتمعه، او سيخدم مصالحه التجارية والمالية ما دام النفوذ الاميركي قويا في المنطقة. ولكن علينا الا نحزن ولا نتخوف كثيرا على مستقبل هذه الامة من هذا التيار المتسلقِ فانهم حتما لن يضروا هذه الامة في شيء لانها عرفت خلال تاريخها الطويل كثيرا من امثالهم، الذين اندحروا وبقيت هذه الامة خالدة ودينها محفوظ وثقافتها راسخة.
7/3/2002
|