تقييم لزيارة الوفد الشعبي | رجوع
لا يساورنا ادنى شك في اخلاص الشخصيات التي قامت بتلك الزيارة لوطنها، او حبها للمصلحة العامةِ ومع تقديرنا للنجاحات التي قالوا انهم قد حققوها، الا ان ذلك لا يمنع اختلافنا معهم في كثير من النقاط ومن اهمها: انهم اخطأوا عندما اطلقوا على انفسهم 'الوفد الشعبي'، وذلك لان اي انسان يحترم شعبه ويقدر مشاعره لا يجيز لنفسه ان يتحدث باسمه الا من خلال اجراءات قانونية معروفة تعارفت عليها الشعوب والامم عبر تاريخها الطويل. وبدون التقيد بهذه الاجراءات سيقع المجتمع في خضم فوضى عارمة، فالكل قد يدعي انه يمثل الشعب ويتحدث باسمه وقد يسيء لذلك الشعبِ لذلك فشلت الجهود التي حاولت جمع توقيعات لاكساب هذا الوفد صفة الشعبية، بل ان بعضا، من الفئة القليلة التي وقعت عليها، قد وقع مجاملة أو تقديرا لدور اميركا وبريطانيا في تحرير الكويت وبعد فشل تلك الجهود تغير اسم الوفد من الوفد الشعبي الى الوفد الاهلي. كما نختلف معهم في اهداف الزيارةِ فاذا كان الهدف الرئيسي منها تقديم الشكر والعرفان لدولتين صديقتين ساهمتا في تحرير الكويتِ فلعلنا نعلم ان تحرير الكويت قامت به جميع دول العالم التي وقفت ضد الاحتلال العراقيِ واصدرت قرارات دولية تطالبه بالانسحاب او مواجهة العالمِ وكانت الدول العربية في مقدمة ذلك التجمع العالمي، والتي اعطت غطاء قانونيا وشرعيا للتحالف الدولي. وبعد التحرير قامت وفود حكومية يرأسها صاحب السمو امير البلاد وسمو ولي العهد والنائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء بزيارة تلك الدول وتقديم الشكر لهاِ كما قامت وفود شعبية ممثلة من مجلس الامة وعدد من جمعيات النفع العام رجالا ونساء ومبادرات فردية بتأدية هذه المهمةِ ولا شك في ان تكرار هذه الاسطوانة في كل عام سيسيء الى سمعة الكويت وشعبها ويشعرنا بالمذلة، ومن المفيد في هذا الصدد ان نشير الى ما قاله الرئيس ديغول ردا على احد القادة الاميركان الذي حاول ان يذكر فرنسا بفضل اميركا التي حررتها من الاحتلال النازي: ان فرنسا وقعت كبش فداء في تصديها لذلك الشر ودفعت ثمنا باهظا، ولن تسمح لاحد ان يهين الشعب الفرنسي او يسيء لكرامتهِ لذلك من الافضل لنا حكومة وشعبا ألا نردد مثل هذا الكلام في كل عامِ وان نحصر احتفالنا بهذه المناسبة على اخذ الدروس والعبر لنبني مجتمعنا ومؤسساتنا على اسس سليمة. كما يقول اعضاء الوفد ان هدفهم الثاني، 'تصحيح رؤية الغرب عن شريعتنا وحضارتنا' اننا نعلم جيدا انه بعد احداث 11 سبتمبر ظهرت حملة اعلامية شرسة ضد العروبة والاسلام تحاول إلصاق الارهاب بالعروبة والاسلامِ واعتقد انه من الصعوبة على اعضاء الوفد بما يمثله من شخصيات، ان يدرك ابعاد هذه الحملة وخطورتها ووسائل الرد عليهاِ فلا يوجد بينهم متعمق في الحضارة العربية والاسلامية ومن ثم يقدمها للغرب بصورة واضحةِ لذا من الأفضل ان تتولى مهمة هذه القضية الخطيرة منظمات عربية وإسلامية، تختار شخصيات شجاعة وعميقة في فهم الحضارة الاسلامية، لتتفهم الدوافع الحقيقية الكامنة وراء تلك الحملة ومن يقودها وكيفية التصدي لها. كما نختلف معهم في توقيت الزيارة، انهم خصوا بالزيارة بريطانيا واميركا، في وقت تخضع فيه الادارة الاميركية خضوعا اعمى للوبي الصهيوني وتنقاد لارادته فتشجع الارهابي شارون على ذبح الشعب الفلسطيني لنسمع في كل يوم صرخات المستضعفين من الرجال والنساء والاطفال، يستنجدون بالضمير العالمي لينقذهم من ذلك الارهاب، ولكنهم لا يسمعون سوى صوت الاقوياء في البيت الابيض سواء الرئيس بوش او نائبه او وزير دفاعه او مستشارة الامن القومي، التي تدين الضحية وتؤيد الجلادِ فهذا التحالف الصهيوني - الاميركي يتعارض مع مواثيق الامم المتحدة وقوانينها التي تحتضن اميركا هيئتها وتدعي انها مسؤولة عن حماية الشرعية الدولية، علاوة على ذلك كله فانها خرقت تلك المواثيق في تعاملها المهين مع اسرى حرب افغانستان. كما يضاف الى ذلك الموقف الاميركي المعادي للشقيقة الكبرى السعودية التي قدمت اراضيها واموالا طائلة حتى اوشكت على الافلاس من اجل تحرير الكويتِ فهي تتعرض اليوم لحملة اعلامية اميركية شرسة وظالمة يرى السفير غازي القصيبي ان تلك الحملة تقودها المخابرات الاميركية، وبما ان رئىس المخابرات عضو في مجلس الامن القومي الاميركي فهذا يعني ان هذه الحملة تدار من الادارة الاميركيةِ ويعتقد ان سبب هذه الحملة موقف السعودية الواضح من القضية الفلسطينية والذي لا يعجب حكومة شارون فهل يحق لنا ان نخسر السعودية ونشجع ما تتعرض له من حملات ظالمةِ وهناك ايضا حملة اميركية عنيفة ضد الجارة المسلمة ايران التي وصفها الرئىس بوش بانها محور من محاور الشر وبدأ يهدد بضربها وعلينا الا ننسى موقف ايران المشرف اثناء الاحتلال العراقي فبالرغم من موقفنا المعادي لها اثناء حربها مع العراق، الا انها لم تقابل اساءتنا بالاساءة، بل تقبلت اعذارنا ووقفت الى جانب الحق الكويتيِ واذا اضفنا الى ذلك ما كتب من مقالات كتبها بعض من اطلع على صحف اميركية اكد ان اعضاء هذا الوفد مقتنعون بحق اميركا في التدخل لاصلاح الاسلام، واصلاح مناهج التعليم ولضرب العرب. من هنا نعتقد ان ما قام به اعضاء هذا الوفد من زيارة لاميركا في ظل هذه الظروف التي تظهر فيها واشنطن، وبكل وضوح، مواقفها المعادية للعروبة والاسلامِ وما تنشره بعض الصحف الاميركية من آراء منسوبة لاعضاء هذا الوفد، موقف محرج للشعب الكويتي بكل المقاييس ولا يتناسب مع تاريخه العربي، ويتناقض مع كل الثوابت التي يجب ان يتمسك بها، فهو موقف لا يستحق ان نفتخر به بل يجب ان نتبرأ منه. اما اذا اردنا ان نقف موقفا يشرف الشعب الكويتي، فعلينا ان نتخذ موقفا مشابها لما تقوم به معظم الشعوب العربية وبخاصة الشعب المصري، الذي عقد مؤتمرا شعبيا يمثل جميع فئاته لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني واستنكار التأييد الاميركي الاعمى لاسرائىل وحملتها الاعلامية ضد الشعوب العربية والاسلامية وبخاصة السعودية وايرانِ آملين الا يفهم من هذا اننا نكره الشعب الاميركي الصديق او لا نقدر دوره الكبير في تحرير الكويت.
2/16/2002
|