الحفاظ على مدرسة المقررات | رجوع
في مطلع القرن العشرين ظهرت تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية هائلة على المجتمعات البشرية وبخاصة بعد الحرب الثانيةِ وبموجب هذه التغيرات تحولت المدرسة الثانوية لتصبح مدرسة عامة بعد ان كانت مدرسة للنخبةِ وكان لزاما على المدرسة الثانوية بموجب هذه التغيرات ان تعيد النظر في اهدافها ومناهجها واساليبها لتتلاءم مع الجموع الكبيرة من الطلاب الذين بدأوا بالتدفق عليها وهم متعددو الميول والقدرات والاهتماماتِ ولهذا بادرت بعض الدول المتقدمة باصلاح التعليم الثانوي ليتناسب مع تلك المتغيرات الجديدة فظهرت المدرسة الشاملة ومدرسة الساعات المعتمدةِ ويرتكز جوهر الفلسفة التربوية لهذا النظام على جعل التعليم منظومة حياة ويكون التلميذ مركزها، بحيث يعيش احداثا تساعده على النمو الشامل لشخصيته ويتدرب على مهارات ثقافية ومهنية واجتماعية تعده للحياة وللتعليم العالي وتساعده على ان يعلم نفسه بنفسه. وبينما شهدت المدرسة الثانوية الاميركية والاوروبية تغيرات جذرية ظلت المدرسة الثانوية العربية جامدة عاجزة عن متابعة التغيرات الجديدةِ لهذا اصبحت موضع انتقاد من قبل الفكر التربوي العربي الذي طالب باعادة النظر في اهداف تلك المرحلة ومناهجها وطرق التدريس فيهاِ ومن ابرز النقد الذي وجه لهذا التعليم، انه يركز على الجانب النظري ويهمل الجانب العمليِ هدفه الاساسي الاعداد للجامعة ويهمل الاعداد للحياة وبدايات العملِ ضيقة مساراته حيث لا يوجد فيه سوى التخصص الادبي والعلمي وهذا لا يستجيب للميول والقدرات المتنوعة للاعداد الغفيرة من الطلاب الملتحقين به، مما يؤدي الى فشل وتسرب العديد منهمِ كما ادى استخدام المجموع الكلي للطالب في امتحانات الثانوية العامة للالتحاق بالتعليم الجامعي الى خلق نوع من الصراع الرهيب بين الطلاب للحصول على ذلك المعدلِ فاصبح هدف التعليم الثانوي تأهيل التلاميذ للحصول على مجموع درجات الامتحان النهائي فظهرت سلبيات وانحرافات تربوية منها تفشي الغش والتوتر والاقبال على الدروس الخصوصية مما افسد العملية التربوية واهدافها. ولقد دفع هذا النقد المسؤولين عن التربية الكويتية للبحث عن وسائل لاصلاح هذه المرحلة، فشكلت لجنة لدراسة المشكلات التي يثيرها المربون عن التعليم الثانوي والبحث عن حلول لهاِ واستقر رأي اللجنة على الاخذ بنظام المقررات على اعتبار انه افضل الحلول لمعالجة السلبيات القائمة في التعليم الثانويِ وتم افتتاح اول مدرسة ثانوية للمقررات 78/79 بعد دراسة استمرت اكثر من عامين تم خلالها ارسال وفود الى بعض الدول المتقدمة للاطلاع على نظم التعليم الثانوي فيها، والتعرف عن كثب على تطبيق نظام المقررات في المرحلة الثانوية لمعرفة اهدافه وفلسفته ومناهجه، ثم شكلت لجان لدراسة نظام المقررات ورسم اهدافه ونظمه وخططه ولجان لدراسة الاحتياجات المالية والمادية والبشرية، وتم تدريب عناصر مختارة من الادارة المدرسية ومدرسي ومدرسات التعليم الثانوي وتعريفهم باهداف النظام الجديد وفلسفته واعدادهم للعمل فيه. واجرت وزارة التربية دراسة تقويمية لنظام المقررات استغرقت 4 سنوات منذ تطبيقه حتى 1982 وتبين من نتائجها ان لهذا النظام ايجابيات اساسية وانه افضل من النظام التقليدي، وابدت بعض المقترحات التي تساعد على تطوير هذا النظام ومعالجة السلبيات التي برزت من خلال التطبيق، ثم اوصت بالتوسع التدريجي المبرمج بما يتفق والامكانات المادية والبشريةِ كما اجري العديد من الدراسات على مدرسة المقررات أعدها باحثون واساتذة جامعيون من ضمنها بحوث جمعية المعلمين التي خصصت احد مؤتمراتها لدراسة مدرسة المقرراتِ وقد تبين من نتائج تلك الدراسات ان معظمها يشيد بنظام المقررات ويفضله على النظام التقليدي، ويؤمن بقدرته على اصلاح التعليم الثانوي ومعالجة مشكلاته، كما اشارت تلك البحوث الى بعض المشكلات التي برزت عند التطبيق واوصت بمعالجتها. الان، وبعد مرور ما يقرب من ربع قرن على تطبيق مدرسة المقررات في المجتمع الكويتي نسمع بان هناك توصية تنادي بالعدول عن هذا النظام والبحث عن نظام يمزج بينه وبين النظام التقليدي القديم، واعتقد، ومن خلال وجهة نظري المتواضعة، انه من الصعوبة المزج بين نظامين متعارضين، حيث تعتمد فلسفة النظام القديم على المادة الدراسية وتقديسها وتحفيظها للطالب وحشو ذهنه بها، مع تجاهل كبير لشخصية الطالب وقدراته وميوله في حين ترتكز فلسفة مدرسة المقررات على الاهتمام بتنمية شخصية الطالب وقدراته وميوله،وتدريبه على التعليم الذاتي مع ثقة بالمعلم ودفعه الى تجديد اساليبه وطرقه مع ربط التعليم بالحياة ومطالب المجتمع. ان مدرسة المقررات مدرسة عصرية متطورة تتناسب مع روح العصر وما حققه من تقدم علمي وتكنولوجي ساهمت في ظهورها وتطويرها مجموعة من المفكرين والمربين المبدعينِ وبعد الانجازات التربوية الهائلة التي حققها هذا النظام التربوي في الولايات المتحدة واوروبا بدأت دول كثيرة تسعى لتطبيقه قد يكون من ضمنها اليابان وكوريا ومعظم دول الخليجِ لذا يجب ان نشكر الجهود التي بذلها المربون الكويتيون الذين بادروا في تطبيق هذا النظام سواء على مستوى التعليم العالي او الثانويِ ويجب ان تكمل هذه الجهود بمعالجة السلبيات التي برزت في هذا النظام، ويعتقد ان معالجتها ليست مستحيلة او صعبةِ ولكن لا ينبغي العدول عن هذا النظام والعودة الى نظام قديم فقد يؤدي ذلك الى تخلفنا عن معظم الدول. واننا لعلى يقين ان دِ مساعد الهارون وزير التربية بما لديه من خبرة تربوية طويلة وتواجده في منظمة اليونيسكو واطلاعه على نظم تربوية متطورة ومتجددة اثناء تواجده في تلك المنظمة الدولية وشخصيته المتزنة، سيمكنه هذا كله من اختيار القرار السليم المناسب لوطنه ولابناء وطنه.
6/16/2001
|