مصلحة الكويت وحسم الاختلاسات الكبرى | رجوع
اصبح معروفا ان هناك اختلاسات كبرى من المال العام ومن ابرزها اختلاسات الناقلات وسرقة الاستثمار، ولقد تحدث الكثير حول هذا الموضوع وطالبوا الحكومة ان تتحمل مسؤوليتها في محاسبة اللصوص واسترجاع تلك الاموالِ إلا ان الحكومة لم تبد حماسا واضحا في ملاحقة الجناةِ ولما ادانت المحاكمة الاجنبية في اسبانيا وانكلترا المتهمين في تلك الاختلاسات ولم تصدر محاكم الكويت احكاما مماثلة، بدأ البعض يتشكك في مصداقية الحكومة وجديتها في محاسبة الجناةِ فاثيرت القضية مرات عديدة في الصحافة ومجلس الامة، وتساءل البعض عن اسباب تهاون الحكومة في قضية كان يجب ان تضعها ضمن اولوياتها وبخاصة انها اقسمت يمينا دستورية على نفسها لحماية اموال الشعب والحفاظ عليها، فهذه اموال الشعب تسرق بكميات هائلة تحت سمعها وبصرها، ومن المتهمين قياديون عينتهم للحفاظ على تلك الاموال وكانوا تحت يدها وتمكنوا من الفرارِ واتهم البعض الحكومة باتباع اساليب مشبوهة وملتوية للضغط على القضاء لاطالة القضية وتسويفها حتى تموت من تلقاء نفسهاِ واعتقد البعض ان هناك نوعا من التواطؤ الرسمي مع المتهمين وان هناك قوة تحميهم وتشل محاولات الوصول اليهم. ولقد ادى مثل هذا الطرح الى تأزم في العلاقات بين القضاء والمجلس من جهة اذ رأى بعض رجال القضاء ان المجلس يتهم القضاء بالتقصير ويتدخل في اختصاصاته ويتعارض هذا مع مبادئ الدستور التي تنص على الفصل بين السلطاتِ كما ادى من ناحية اخرى الى تأزم في العلاقة بين الحكومة والمجلس لاعتقاد الحكومة ان المجلس يتهمها بحماية المتهمين والتستر عليهمِ في حين يرى اعضاء المجلس ان واجبهم كممثلين عن الشعب الكويتي يقتضي منهم عدم السكوت عن جريمة هزت ضمير الشعب الكويتي وهو يرى امواله تنهب واللصوص بعيدون عن يد العدالة ويتمتعون بتلك الاموالِ ان قضية مثل هذه في اي مجتمع يحترم ذاته كفيلة بالاطاحة بالحكومة. ويبدو من ظروف هذه القضية وملابساتها ان حلها عن طريق القضاء اصبح شبه مستحيلِ فهناك عراقيل وعقبات اجرائية يصعب فهمها ورؤيتهاِ ولقد مرت عشر سنوات من عرضها على المحاكم دون تحقيق اي تقدم وقد تمر عشر سنوات اخرى ولن يتحقق اي تقدم ولقد اصبح ضرر استمرارها اكبر من نفعهِ اذ عاشت الكويت طيلة الاسبوع الماضي اياما عصيبة بسبب اثارة هذه القضية اوشكت ان تحدث زلزالا اجتماعياِ وسمعنا ضروبا من السباب والشتائم يندى لها الجبين وتضر بسمعة الكويت وشعبهاِ لذا يجب ان تبحث عن حل لهذه القضيةِ وهناك حل يلجأ اليه الكثير من الدول المتقدمة والنامية عندما ترى نفسها امام قضية معقدة يصعب حلها عن طريق المحاكم فانها تلجأ الى التسوية والبحث عن شروط يمكن ان تتحقق فيها مصالح جميع الاطراف. ولقد اخذ الدين الاسلامي بهذا المبدأ وحث المسلمين على قبول الصلح عندما تتعقد الامورِ يقول تعالى في آية المحاربة 'انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارضِ ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيمِ الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم' فاستثنى الله من عقاب المفسدين في الارض من يتوب منهم قبل تمكن ولي الامر من عقابهمِ فبين انه يصيرون بهذه التوبة اهلا لمغفرة الله ورحمته ويرفع عنهم عقاب الدنيا والآخرة، فالاسلام فتح باب التوبة امام هذه الفئة وشجعها على دخوله وطالب ولي الامر ان يقبل توبتهم لا سيما اذا كانت تلك التوبة تخدم مصالح المجتمع وتدعم استقراره. لذا يجب ان نفكر جديا في حسم هذه القضية عن طريق التسوية بعد ان تأكد صعوبة حلها عن طريق المحاكمِ لا سيما اننا نعلم ان معظم المتهمين فارون من البلاد، وان الدولة انفقت ملايين الدولارات على المحاكم الاجنبية ولم تحصل الا على احكام اوليةِ وانها بحاجة الى وقت اطول وانفاق اموال مضاعفة للوصول الى احكام اخرى ولسنا متأكدين بعد هذا كله ان كنا نضمن اعادة تلك الاموال ام لاِ كما سمعنا ان بعض المتهمين ابدى رغبة في ارجاع الاموال التي يتهمون باختلاسهاِ لذا من الافضل تشكيل لجنة يتم اختيار اعضائها بعناية تتصل بالمتهمين وتعقد تسوية معهم تضمن من خلالها عودة الاموال الى خزينة الدولة ويعود المتهمون الى وطنهم مواطنين صالحينِ اما من لا يرغب من المتهمين في التسوية فيجب تقديمهم لمحاكمة جادة وعادلةِ واذا كان البعض يتشكك بمصداقية الحكومة فعليه ان يتقدم ببلاغ ضد المتهمين وعلى مجلس الامة ان يدعم المبلغين ماديا ومعنويا كأن يخصص ميزانية لاختيار محامين اكفاء ان كنا نتشكك بدفاع ادارة الفتوى والتشريع ونتمنى ان يساهم الشعب الكويتي في دعم ميزانية تلك المحكمة ومن الممكن ان يكون التائبون من المتهمين شهودا في تلك المحاكمة. ان حسم هذه القضية اصبح ضرورة تقتضيها مصلحة الدولة لكي تتفرغ للبناء والاصلاح والنظر الى المستقبل بنفوس مطمئنة ولان اثارتها كل عام في المجلس تؤدي الى تأزم العلاقة بين السلطات الثلاث وتشغل المجلس والحكومة عن التفكير في المستقبل.
3/6/2001
|