الغوغاء والفوضى والديموقراطية | رجوع
قد نعني بالجماعة الفوضوية او المتسرعة الى الشر، التي تتمكن من اخفاء نواياها الشريرة وتقدم نفسها على انها تعمل لصالح الامة وتستطيع ان تغش الجماهير بما تملك من قدرات خطابية وتلاعب بالالفاظِ وهناك شواهد كثيرة من التاريخ تؤكد انخداع الشعوب بهذه الجماعة الخطيرةِ ففي تاريخنا الاسلامي استطاعت الجماعة التي اثارت الفتنة في عهد الخليفة عثمشان رضي الله عنه ان تدعي أنها جماعة امر بالمعروف ونهي عن المنكر جاءوا ليحاوروا الخليفة لانه خالف شرع الله، فحاصروا المدينة وقتلوهِ ويتحدث الثقاة من المؤرخين عن هوية قاتليه انهم رعاع من غوغاء القبائل وتصفهم ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها بأنهم خليط من غوغاء الامصار واهل المياهِ فاستطاعت تلك الجماعة ان تستر اهدافها وهي احداث فتنة وشرخ في جسد الامة الاسلامية ستمتد اثاره قرونا طويلة. وتتجلى الغوغائية في تاريخنا الحديث ببعض ضباط الجيش الذين قاموا بانقلابات عسكرية واستطاعوا ان يخدعوا شعوبهم بأوهام الوطنية والعداء للصهيونية وبناء القوة العسكريةِ وخير مثل على ذلك صدام حسين الذي استطاع ان يخدع الكثير من الجماهير العربية فصدقت انه زعيم قومي يستطيع ان يقف في وجه الصهيونية والامبرياليةِ وهذه ضريبة ستدفع ثمنها باهظا الشعوب التي يسهل خداعها، فحكم الفرد الذي شهدنا موته واندحاره في اوروبا، بفضل تقدم الشعوب وانتصارها على الفكر الغوغائي، نجد الشعوب العربية ما زالت تصدق الفكر الغوغائي وغير قادرة على ان تدرك حقيقة واضحة، أن مثل هذا المجرم الذي لا يمتلك حسا وطنيا بل عمل على تدمير وطنه وآذى شعبهِِ فكيف يكون بمقدوره ان يخدم قضايا قومية وعربية؟. وفي المجتمع الكويتي استطاعت بعض الجماعات ان تصل الى المؤسسة البرلمانية والسلطة التنفيذية مستخدمة غش الجماهير وخداعهم بالخطب الرنانة والمعسول من القولِ فبعضهم قد يتدثر برداء الدين فيدعي انه يدافع عن دين الله وشرعه ويدعي بعض آخر انه يدافع عن المستضعفين والمال العامِ والحقيقة انهم يرفعون تلك الشعارات لستر نواياهم الرامية الى تحقيق مصالحهم الذاتية والاستعداد لتدمير اقتصاد الدولة ونزف ثرواتها وتدمير ما فيها من روابط اجتماعية اذا تعارضت مع مصالحهم الخاصةِ وقد تملك الحكومة قدرة هائلة على كشف هذه الجماعة، ولكنها تتحاشي الدخول في معارك معها خوفا من ان تسلط تلك الجماعة الاضواء على مساوئ الحكومة والتي تحاول التستر عليها، ولاعتقاد الحكومة ان تلك الاساليب التي تستخدمها تلك الجماعة ستسهم في تشويه سمعة الديموقراطية وتدميرها وهذا هدف يلاقي ترحيبا من بعض اقطاب الحكومة. لذا فإننا لا نستغرب عندما يشن نواب هذه الجماعة هجوما عنيفا على بعض الوزراء المخلصين والجادين في الاصلاح ويشهرون بهم، اما لان الوزراء لم ينفذوا مطالب اولئك النواب غير الشرعية او لتعارض مشاريع الاصلاح مع مصالح النواب الخاصة او مصالح ناخبيهم، ثم نجد بعض اقطاب الحكومة لا يخفي بهجته وهو يتفرج على الوزراء المخلصين وهم في قفص الاستجواب وكأنهم يتفرجون على مسرحية فكاهيةِ بل الاغرب من ذلك ان تفتح ابواب الوزارات والمؤسسات الحكومية لتنفيع اولئك النواب وانجاز معاملاتهمِ وكأنهم يشجعون ليكونوا اكثر شراسة وليكونوا القوة المسيطرة على المجلسِ بل الاكثر غرابة ان يتم تعيين وزراء يعارضون الاصلاح الاقتصادي ولا يؤمنون بأهمية التخطيط لنهضة الدولة وتقدمها ومن ثم يتخذون قرارات ارتجالية تلغي قرارات سابقة كنا نعتقد انها قرارات اصلاح مدروسة وملزمةِ الا اننا نفاجأ بأن يقال لهؤلاء الوزراء انتم احرار في اتخاذ ما ترونه من قرارات في وزاراتكمِ وكأن الدولة لا يوجد فيها خطة للتنمية يلتزم بها الجميع. ان تقدم الدولة يتطلب ان توضع سياسة الاسكان والتعليم والدفاع والامن والاقتصاد ضمن خطة تنموية مدروسة تراعي امكانات الدولة المادية والبشرية ويلتزم بها جميع الوزراء ولا تتغير بتغير الوزيرِ ولا يجوز لوزير ان يتصرف حسب اجتهاداته الخاصةِ ان عدم وجود خطة او سياسة عامة يلتزم بها الجميع سيجعل الدولة تسير كسفينة في امواج عاتية وقد تعطلت الاجهزة التي توجهها فكيف يمكن انقاذ هذه السفينة؟ لا شك اننا نعيش في ظل فوضى عارمة، وقد دفعت هذه الفوضى اعداء الديموقراطية ليلقوا اللوم على الديموقراطية فبدأوا يرددون كلماتهم المعادية للديموقراطية والمألوفة وكأنها هي السبب في الفوضى التي نعيشهاِ ومن امثال تلك الكلمات: هذه هي الديموقراطية التي تريدون لا تأتي الا بشخصيات لا تضع مصالح الدولة ضمن اولوياتها ولا تدافع عن قضايا عادلة ومفيدة للدولةِ همها البحث عن مصالحها الخاصة فكلما تقدمت الحكومة بمشاريع حيوية ومدروسة للاصلاح تصدى لها المجلس ومن ثم اصبح المجلس عقبة في وجه الاصلاح والتقدم، ساهم في تخلف المجتمع الكويتي في حين تتقدم مجتمعات الخليج من حوله. ولكن يجب ان يعرف اعداء الديموقراطية ان الشعب الكويتي ليس بهذه السطحية ليصدق تلك المزاعم فيعادي الديموقراطية لتلك الأسباب الواهية، لأنه يدرك اهمية الديموقراطية وان البديل عنها سيكون حكم الفرد والاستبداد وهو اشد خطورة على الشعوب من سلبيات الديموقراطيةِ وانه يدرك ان الحكومة هي التي ساهمت في تقوية تلك الجماعات فمعظمهم نواب خدمات يستمدون قوتهم من مساعدة الحكومة لهمِ كما يدرك تقصير الحكومة في الدفاع عن مشاريع الاصلاح التي تقدمها فهي لا تتبع الخطوات العلمية التي تساعد على نجاح تلك المشاريع، فبيدها وسائل الاعلام ومؤسسات التعليم، وبإمكانها تهيئة الشارع وتربية الناشئين لتقبل افكار الاصلاحِ وعلاوة على ذلك بيدها اختيار الوزراء الاكفاء الذين يتبنون المشاريع الاصلاحية ويتحمسون في الدفاع عنهاِ لهذا كله نعتقد ان الحكومة تبدو وكأنها غير متحمسة لنجاح تلك المشاريع الاصلاحية، لذا فإنها سبب رئيسي في التخلف وفساد المؤسسة الديموقراطية واستنزاف الثروة الوطنية.
5/15/2001
|