لكي لا تنتصر الغوغاء | رجوع
هناك اجماع على حاجة المجتمع الكويتي إلى اصلاح شامل لمعالجة المشكلات التي تواجههِ وبالرغم من تشخيص تلك المشكلات ومعرفة الحلول الناجعة لها إلا اننا لم نتقدم خطوة نحو الاصلاح مع علمنا بالاخطار المترتبة على تأخير الاصلاحِ ولعل ارتباط الاصلاح باتخاذ قرارات غير شعبية من أهم الأسباب التي تجعل معظم اعضاء مجلس الأمة لا يتحمسون له اعتقادا منهم ان تبني تلك القرارات سيؤثر سلبا على اعادة انتخابهمِ اما الحكومة فان ضعفها يجعلها عاجزة عن التمسك بالمشاريع الاصلاحية التي تقدمها وعاجزة عن الدفاع عنهاِ غير مدركة خطورة تراجعها المتكرر وانه يمثل فشلا وهزيمة لسياساتها وسيؤثر سلبا على عملية التنمية وقد يؤثر على أمن الدولة واستقرارها. ان ضعف الحكومة جعل المواطنين يتخوفون من وقوع المجتمع في خضم الفوضى والجمود والتخلفِ وشجع المناوئين لسياسات الحكومة على التطاول عليها واتباع اساليب متكررة لتخويف الحكومة وارهابها وحملها على التراجع عن قراراتهاِ من هنا بدأ كثير من المخلصين يشعرون بالحاجة إلى حكومة قوية والقوة لا تعني الطغيان أو الاستبدادِ بل قوية بنزاهتها لا يستطيع من يعارضها ان يجد ثغرة يطعن في نزاهتها وعدالتها، وقوية بانسجام افرادها وما يملكون من مهارات وقدرات تمكنهم من رسم السياسات التي تحتاجها الدولة وتبنيها والدفاع عنها. وفي ضوء ما تقدم سنحاول تقييم جلسة الاستجواب الموجهة لوزير الاسكان، لايشك احد في ان الاستجواب حق كفله الدستور لاعضاء المجلس ليمارسوا دورهم الرقابي على اعمال الحكومة ولتصحيح الاخطاء الموجودة، ولكن من الخطورة ان يستخدم هذا الحق في غير طريقه السليم، كأن يصبح اداة لعرقلة مشاريع جديدة تساعد على الاصلاح أو لتهديد بعض الوزراء المخلصين لعدم تلبيتهم لرغبات النواب غير القانونية فسيؤدي ذلك إلى انحراف تلك الأداة عن اهدافها النبيلة وتحويلها إلى نوع من العبث. لقد كشفت تلك الجلسة قدرة النواب المستجوبين على التحضير الجيد والاعداد المتميز وحرصهم على الدفاع عن حقوق المواطن واسماع الحكومة مشكلات المواطنين لدرجة اننا يجب ان نفخر بان لدينا نوابا بهذا المستوىِ كما كشفت في الوقت نفسه كفاءة الوزير وقدراته غير المحدودة، فاستطاع ان يفند آراء المستجوبين ويبرئ ذمته المالية وان يوضح الرؤية الاسكانية المناسبة للدولة من خلال طرح موضوعي يعتمد على العلم والارقام. كان من المفروض بعد استماع المجلس لرأي الوزير ان يبادر الاعضاء للجلوس معه لدراسة آرائه وافكاره الجديدة وقد يضيفون إليها اضافات جديدة ليتوصلوا معا إلى حلول علمية وعملية لمعالجة الازمة الاسكانية، ويجب ان يكون واضحا لدينا ان اسلوب الرعاية السكنية الذي اتبع في اوائل الخمسينات لا يمكن اتباعه اليوم في ظل الظروف المالية الصعبة بعد ان تحولت الوفرة المالية إلى عجز وديون، وتشعب الانفاق وتضاعفت طلبات الاسكان، فهذه الازمة لا يمكن حلها الا عن طريق اخضاعها للدراسة والبحث العلميِ وهذا ما فعله الوزير، فقد شكل اللجان المتخصصة لدراسة المشكلة من جميع ابعادها المختلفةِ فلماذا يحاول بعض الاعضاء ان يطرح الثقة بهذا الوزير؟ ألأنه عالج المشكلة الاسكانية باسلوب يعتمد على العلم والمنطق ويراعي مصلحة الدولة؟ فإذا تناقض المجلس مع العلم والمصلحة العامة فعلى اي اساس سيعتمد في بناء سياساته واتخاذ قراراته؟ من الخطأ الفادح ان يحقر بعض الاعضاء الأسلوب العلمي ويعتمدوا على الفوضى والارتجال واسلوب الردح وهو الأسلوب الذي لجأ إليه بعض النوابِ انهم يعقدون الندوات الليلية ويلقون فيها الخطب الرنانة المليئة بالصخب والعويل وتهدف إلى مخاطبة عواطف الجماهير وتأجيجها وتبتعد عن مخاطبة العقل والمنطقِ فهل يجوز ان نعالج ازمات الدولة بهذا الأسلوب السطحي؟ وهل توجد دولة ديموقراطية تعالج ازماتها بهذا الأسلوب؟ ولكن يبدو ان هؤلاء الاعضاء قد جربوا هذا الأسلوب في ازمات سابقة ونجحوا في ارهاب الحكومة واحراجها وحملها على التراجع عن قراراتهاِ لذلك لا مانع لديهم من تكراره مرات عديدة لتحقيق اهدافهم ومآربهم، حتى ولو كانت ضارة بمصلحة الدولة، ان نجاح هؤلاء الاعضاء في فرض آرائهم على الدولة بهذا الأسلوب قد يعني اليأس من عملية الاصلاح وهبوطا في مستوى الديموقراطية وعدم وعي الاعضاء بمشكلات الدولة، وعدم اقتناعهم بجدوى الاعتماد على البحث العلمي في معالجة الازمات، كما يدل ايضا وقبل كل شيء على ضعف الحكومة وتخبطها وتدني مستواها في التخطيط وعجزها التام عن ادارة الازمات وحسن التعامل معها وعدم معرفتها بالأساليب الناجحة التي تدافع فيها عن آرائها وقراراتها. ولو أخذنا ازمة الطاقة التي برزت في أوروبا خلال شهر سبتمبر وكيف واجهت الحكومات الأوروبية تلك الازمةِ لقد واجهت المظاهرات والشغب بنوع من الحزم ولم تستجب لمطالب الشارع الاوروبي وانفعالاته العاطفية لاقتناعها بان تلك المطالب ضارة باقتصاد الدولة. ومن ثم وجدت الشعوب الأوروبية نفسها امام حكومات جادة يصعب التلاعب عليها وثنيها عن قراراتها لانهاتبنت تلك القرارات بعد دراسات، واضعة مصلحة الدولة ومستقبلها فوق كل اعتبارِ لذلك لم يجد الشارع الأوروبي بدا من التراجع عن مطالبه.
11/26/2000
|