الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
عوامل ضعف الحكومة والخروج من المأزق | رجوع
هناك شبه إجماع على ضعف الحكومة، ويستدل على ذلك من استمرار الأزمات التي تعاني منها الدولة وعدم الجدية في مواجهتهاِ التردد في اتخاذ القرار والتراجع عن القرارات بعد اتخاذهاِ كثرة الاعتداءات على أملاك الدولة وعجز الحكومة عن وقف تلك الاعتداءاتِ كثرة الاختلاس من المال العام وسرقته وعجز الحكومة عن استرداد تلك الاموال ومعاقبة لصوص المال العام، وبخاصة إذا كانوا من المسؤولين الكبار. 
ويعتقد ان من أهم أسباب هذا الضعف ان الانتقال من الحكم الفردي الى الديموقراطي لم يصاحبه تغير جوهري في عقلية الحكومة لتتقبل الديموقراطية بقبول حسن، بل تحاول دائما اللف عليها وتغليفها بأطر غير ديموقراطيةِ وخير مثال على ذلك طريقة تشكيل الحكومة، فإنها تتم بصورة تتعارض مع مبادئ الديموقراطية، لذلك تأتي ضعيفة لا تستطيع النجاح في مجتمع ديموقراطيِ فحكم الدولة واتخاذ القرار في المجتمع الديموقراطي عملية صعبة ومعقدة تحتاج الى حكومة قوية ونزيهة تمتلك مهارات وقدرات متعددة تمكنها من الاتصال بالجماهير واقناعها، والقدرة على تبني القرارات المهمة التي تحتاج اليها الدولة ودراستها بعناية قبل اتخاذها والتنبؤ السليم بردة الفعل المتوقعة من الشارع والقوى المؤثرة في المجتمع ضد تلك القرارات والخطوات والوسائل التي يجب اتباعها لمواجهة ردة الفعل تلك وطريقة اقناع المعارضين باهمية تلك القرارات. 
فلو ضربنا مثلا بالادارة الاميركية وكيف واجهت معارضة الكونغرس لارسال قوات اميركية لتحرير الكويت، فقد كان الرئيس الاميركي يجتمع بالكتل النيابية اجتماعات مطولة لاقناعهم بأهمية التدخل وارتباطه بالمصالح الاميركيةِ كما كان يعقد مؤتمرا صحفيا في كل اسبوع يتلو بيانه ويواجه اسئلة الصحافيين المحرجة ويرد عليهاِ كما كان الوزراء، لاسيما وزيرا الخارجية والدفاع، يلتقون بالجماهير والشباب الاميركي في الجامعات ويعقدون الندوات لشرح الموقف وقام الوزيران المذكوران بزيارات مكثفة لمختلف دول العالم، ووجهت حملات اعلامية مكثفة. 
هذا هو موقف الحكومات الديموقراطية لتذليل الصعوبات التي تواجهها، في حين لا نرى اي نشاط ملموس تقوم به الحكومة الكويتية لدعم قراراتها، فعندما تتخذ قرارا لمعالجة الازمات التي تعاني منها الدولة: كالازمة الاقتصادية او الأمنية او الاسكان او ازالة المخالفات، فإنها سرعان ما تتراجع عن قراراتها عندما يوجه اليها اي نقد من المجلس او تستمع الى بعض الخطب الرنانةِ فلو ضربنا مثلا مرسوم المرأة الذي ادعت الحكومة حماسها لتطبيقه ماذا فعلت لانجاحه؟ فبينما كان النواب المعارضون للمرسوم يتحركون بسرعة مذهلة يعقدون الندوات في جميع المحافظات ويقنعون الجماهير بخطأ المرسوم، كانت الحكومة مختبئة وراء جدران الصمت يتبادل اعضاؤها ابتسامات الفشل ويجرون أذيال الهزيمة. 
وتدعيما لهذا الرأي الذي يعزو ضعف الحكومة الى ان عقلية الحكومة لم تتقبل حتى الآن الديموقراطية بصورة تامة، وان طريقة تشكيل الحكومة تتعارض مع أبسط المبادئ الديموقراطية، سنشير الى البيان الذي اصدره ثمانية نواب اعتذروا عن عدم المشاركة في الحكومة لأنهم استدعوا لقبول المنصب الوزاري بدون ان يعرفوا شيئا عن طبيعة التشكيلة الحكومية ولا عن المنصب الوزاري المسند اليهمِ ولما طلبوا مقابلة سمو ولي العهد لشرح تصورهم عن التشكيلة الوزارية المقترحة وطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، رأى سموه ان تبقى المشاورات فردية، مما جعلهم يتحفظون في قبول المنصب خوفا من عدم وجود فريق منسجم ومتضامن، وأبدوا تخوفهم من تشكيل حكومة ضعيفة لا تستطيع ان تدفع بالعمل السياسي. 
ولقد علقت مجلة الطلبة على التشكيلة الحكومية الأخيرة بعد اعتذار النواب بأنها جاءت محبطة لأن المدعوين للمشاركة سلبوا حقهم في معرفة اي شيء عن التشكيلة الحكومية او الحقيبة الوزارية المسندة اليهم او برنامج الحكومة وسياساتها المطلوب من الوزراء تنفيذها، مما يدل على ان عقلية ادارة الدولة ترفض مبدأ المشاركة الشعبية وتفضل تعيين موظفين كبار ليس من حقهم الاعتراض او ابداء وجهة نظر في العمل الحكوميِ بل ان الوزير في وزارة كهذه ليس من حقه ان يتصرف في وزارته دون اخذ اذن ممن عينهِ ولقد اثبتت التجارب صحة هذا الرأي حيث وافق الوزراء على قرارات خاطئة دون ان يبدوا معارضتهم مثل: سحب رخصة 'السياسة' وتعطيل 'الوطن' لمدة عامين وهذا ليس من حقهم بل من اختصاص القضاء، وكذلك الموافقة على التحقيق مع 'كونا' لبثها تصريحا لاحمد السعدون النائب والرئيس السابق وتشكيل لجنة تضم وزيرين للتحقيق في اختصاص زميل لهما، كان المفروض ان يقوم هو بالتحقيق ومحاسبة من ارتكب خطأ، إذا كان هناك خطأ، الموافقة على تجنيس غير محددي الجنسية واعطاء وزارة الداخلية اليد الطولى في تنفيذه دون ادراك آثاره السلبية على مستقبل الدولة. 
وقد نخلص من هذا كله الى ان طريقة تشكيل الحكومة واختيار الوزراء من أهم اسباب ضعف الحكومة، وانها تتعارض مع مبادئ النظام الديموقراطيِ لأن طبيعة المجتمع الديموقراطي تقتضي ان يتم اختيار الوزراء لارتباطهم القوي بالمجلس، فالحكومة يجب ان تستمد قوتها من ثقة المجلس وبما تملك من قدرات ومواهب في ادارة الدولة ليس فيها وزير يشعر ان اختياره قد تم بفضل ثقة رئيس الوزراء فيه، فهذا الشعور يجعل الوزراء تتملكهم عقدة خوف من الرئيس الذي تفضل وعينهم ومن ثم سيتحاشون الدخول معه في مناقشات جادة في صناعة القرارات التي تتخذ في المجلس، وبالتالي قد تأتي القرارات ضعيفة وغير مدروسة ويصعب الدفاع عنها لذلك سيسهل التراجع عنها. 
لقد أصبح ضعف الحكومة هاجسا يؤرق كل مواطن لأن ضعفها يشعر المواطنين بأنهم يعيشون في مجتمع شبيه بمجتمع الغابة، يعتدي بعضهم على بعض ولا يحترم فيه قانون أو نظام، فالحكومة هي القيادة وضعفها سيؤثر على اجزاء الدولة فيصيبها بالشلل والجمود والتخلف وخطر يهدد امنها ومستقبل وجودهاِ فالجميع يتطلع الى وجود حكومة قوية لتنظيم المجتمع وحماية الأفراد وادارة المرافق العامة، ولا سبيل لتحقيق ذلك الا بالاقتناع بوجود حكومة قوية يتم اختيار رئيسها وأعضائها بطريقة علمية وديموقراطية، فبهذا الاسلوب ستتشكل الحكومة من رئيس واعضاء اقوياء يؤمنون بالديموقراطية ويشعرون ان اختيارهم قد تم لأسباب وجيهة ومن ثم سيثقون بأنفسهم وسيكون لهم دور فعال في رسم سياسة الدولة والدفاع عنهاِ وسيضعون في مقدمة اولوياتهم مواجهة التحديات التي تعاني منها الدولة ومعالجة جميع اشكال الفساد ومحاسبة من ارتكبه لا يميزون بين قوي وضعيف. 
ان مواجهة الفساد ومحاسبة المفسدين لاسيما ان كانوا من اصحاب النفوذ وعدم التستر عليهم دليل على رقي المجتمع وحرصه على المحافظة على قوتهِ لذلك نرى في معظم المجتمعات الديموقراطية عندما يكتشف امر من اختلس من المال العام او استغل منصبه لتحقيق مكاسب غير مشروعة أو تسبب في فساد، فإن تلك الدول لا تتردد في محاسبته حسابا عسيراِ فنرى في تلك الدول رؤساء حكومات ووزراء سابقين وحاليين ورؤساء شركات وقيادات عليا قد حوكموا وأدينوا وأودعوا السجون وصودرت اموالهم وممتلكاتهمِ فإن هذا سيرفع من سمعة الدولة ويساعد على استقرارها وتقدمها ويشعر المواطن بأنه يعيش في ظل دولة عادلة ونزيهة تستحق التقدير والاحترام، وسيدفعه ذلك الى احترام القانون والالتزام به. 


5/27/2000
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com