احدى وصايا لقمان الحكيم لينتفع بها المسلمون هي اغضض من صوتك ان أنكر الأصوات لصوت الحمير، ويوجه هذه النصيحة لابنه، والنصيحة للابن غير متهمة، بل هي مبرأة من كل شبهة فعندما ينصح الوالد ولده لا يريد من ورائها سوى الخير لهذا الانسان العزيز، وفي هذه الموعظة ينهاه عن صفة من صفات المتكبرين فيأمره ان يخفض صوته أثناء حديثه مع الناس لأن خفض الصوت من أدب الحديث، فهو أوقر للمتكلم ودليل على ثقته بنفسه والى صدق ما يقولِ اما من يرفع صوته في وجه مستمعيه ويزعق لهم في القول فهو سيئ الأدب ويشك في قيمة حديثه وصدق نواياه والذي يحاول ان يخفي تلك الشكوك ونواياه السيئة بالزعيق والصراخ في وجه من يحدثهم. وقد يلجأ هذا الانسان الى الصراخ والعويل لارهاب المسؤولين وابتزازهم ليحققوا جميع مطالبه غير المشروعة الا انه سيرتكب خطأ فاحشا لأن رفع الصوت لا يخيف الا الانسان الجبان لذلك نجد القرآن الكريم يشبه رفع الصوت في وجوه الناس تعاظما عليهم وتعاليا بصوت الحمار تأديبا من الله لعباده لترك هذا السلوك المشين ومبالغة في التنفير منه وتأكيدا على ان هذا الصوت لا يخيف الا المسؤول السيئ الذي يرضى بالاهانة حفاظا على كرسيه أو خوفا من كشف عيوبه وسيئاته، اما الانسان الشريف فلا يرهبه هذا الصوت. وقد يستطيع هذا الانسان ان يخدع بعض المواطنين البسطاء ويوهمهم ان اسلوبه في الصراخ والتطاول على المسؤولين هو نوع من الشجاعة والبطولة فقد يلجأ في خداعه للجماهير بحسن القول وفصاحة اللسان ويخفي حبه لمصالحه الشخصية التي لا يبالي في سبيل تحقيقها باشعال الفتن في المجتمع وتدميرهِ واذا تصدى له بعض الاذكياء الذين يعرفون سريرته ونواياه وحاولوا ارشاده الى طريق الخير اخذته العزة بالاثمِ فهذه طبيعة المفسدين النفور ممن يأمرهم بالصلاح اذ يرون في ذلك كشفا لمفاسدهم التي يحاولون ان يستروها، ويغطون على ذلك بنظرتهم الفوقية الى ذواتهم والدونية الى الآخرين، ومن ثم سيعلنون انهم يستنكفون ان تأتيهم النصائح ممن هم أقل مستوى منهم وسيرفعون اصواتهم ورؤوسهم في وجه من يأخذ عليهم خطأ أو يوجههم الى الصواب. كيف نستفيد من هذه الدروس القرآنية لاصلاح واقعنا الاجتماعي ونحن نرى ان هذا الداء بدأ يتفشى في مجتمعنا حيث يظن من في نفوسهم كبر ان وصولهم الى المراكز أتاح لهم فرصة لاظهار عقدهم وأمراضهم النفسية، فنفوسهم مليئة بحب الذات وتعظيمها وحب المصالح والأطماع الشخصية وكراهية الآخرين والحقد عليهم، وكراهية اللوائح والقوانين التي تمنعهم من تحقيق مصالحهم الشخصية فلا يتورعون عن استغلال الحرية واستخدامها لقذف اعراض الناس والهجوم على بعض فئات المجتمع واظهارهم وكأنهم مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق، وتناسي دورهم الطويل والممتد في بناء الكويت وتطويرهاِ كما نراهم في الوقت نفسه يتملقون اصحاب السلطة والنفوذ ويتوددون اليهم وكأنهم يطلبون مساندتهم للاستمرار في هذا النهج الخطر الذي يسيء الى الديموقراطية ويؤدي الى هدم الوحدة الوطنية. ماذا نعمل لوقف هذا السلوك المشين الذي يسيء الى الديموقراطية ويشوهها؟ كيف يمكن اقناع هؤلاء بان للحرية قيمة عليا ثمينة وهي أمر مقدس وضروري ليتمكن كل انسان من أداء مهامه السامية ولكن لا ينبغي استغلالها في قذف اعراض الناس وتشويه سمعة الخصوم وابتزاز المسؤولين وغير ذلك من الاغراض الضارة بالدولة والانسان. لا شك ان اعداء الديموقراطية سيظنون انهم تمكنوا من هزيمة الديموقراطية وسيوصون اتباعهم ليجادلوا المواطنين ويقنعوهم ان الديموقراطية هي المسؤولة عن جميع هذه المصائب ظنا منهم بأن بامكانهم غرس كراهية الديموقراطية في قلوب الكويتيين، ولكن يجب ان يتأكد اعداء الديموقراطية من ان ايمان الشعب الكويتي بالديموقراطية لن يتزحزح ايمانا منهم بأن مساوئ الديموقراطية أفضل من الطغيان والاستبدادِ وان بامكانه مهما طالت حيل المتآمرين وحبالهم الوصول الى الوسائل التي تساعده في الحفاظ على نظامه الديموقراطي وحمايته من اعدائه والمتآمرين عليه وتطويره.
5/5/2000
|