الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
ما وراء الحملة ضد البغدادي؟ | رجوع
رغم انني اعارض العبارات التي استخدمها دِ البغدادي وكتبت مقالا بينت فيه الانجازات العظيمة التي حققها رسول الله في العهد المكيِ الا انني كنت آمل ان يظل الخلاف مع دِ احمد في ظل اطار الحوار الفكري الموضوعيِ لذا آلمني وآلم الكثير عندما تحول الكاتب الى المحاكم ثم ادين وتم اعتقاله وقيد الى السجن بسبب آراء يعتقد بصحتهاِ كما آلمنا بصورة اكبر تلك الضجة والاتهامات التي وجهها الغاضبون على دِ البغداديِ واننا نتساءل عن اسباب تلك العواصف والزوابع فهل هي حقا دفاع عن دين الله ورسوله ام ان وراءها اهدافا سياسية وحزبية؟ 
وإننا اذ نستغرب تلك الحملة لأننا نعتقد انها غريبة عن روح المجتمع الكويتي وبعيدة كل البعد عن طبيعة الدعوى الى دين الله، فمن خلال قراءتنا للفكر الاسلامي نعلم ان الدفاع عن دين الله لم يتحقق بسجن العلماء والمفكرين وارهابهم بل تحقق بوجود علماء ومفكرين دافعوا عن دين الله بالحجة والبرهان، فدحضوا الشبهات التي اثارها اعداء الدين وكانوا بذلك يسلكون المنهج نفسه الذي سلكه القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم في رده على المشركين والمنافقين فكان يقارعهم بالحجة البالغة والمنطق الواضح وتفوق عليهم. لذا فاننا نؤكد ان من اهم خصائص منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة التسامح ومعاملة الخصوم بالحسنى، فلو اخذنا تعامله مع المنافقين لندلل على صحة هذا الرأي، فعلى الرغم من علم الرسول بأهدافهم الدنيئة الرامية الى هدم المجتمع الاسلامي، وكان عليه السلام يملك جيشا يستطيع ان يقضي عليهم في لحظات الا انه آثر ان يترك امرهم الى الله، ولقد سجل القرآن الكريم الكثير من اقوالهم التي تكشف حقدهم على الرسول والمجتمع الاسلامي ورد عليهمِ ومن ذلك قوله تعالى 'هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والارض ولكن المنافقين لا يفقهون' وقوله 'يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذلِ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون'. ولقد نزلت في عبدالله بن ابي بن سلول رأس النفاق بعد غزوة بني المصطلق وقد ازدحم نفر من الانصار والمهاجرين على بئر ماء فنادى الانصاري يا معشر الانصار ونادى اجير عمر (ر) يا معشر المهاجرينِ فأراد بن سلول ان يستغل الحادثة ليحدث شرخا بين المهاجرين والانصار فقال 'أوقد فعلوهاِ قد نافرونا وكاثرونا في بلادناِ والله ما اعدنا وجلابيب قريش هذه الا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك، اما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، ثم قال 'هذا ما فعلتم بانفسكم احللتموهم بلادكم وقاسمتموهم اموالكم اما والله لو امسكتم عنهم ما بأيديكم لتولوا الى غير داركم. ولما ابلغ رسول الله بهذا الكلام امر الناس بالرحيل ليشغلهم عنه، وروي ان ابنه عبدالله قد سل سيفه على ابيه عند مدخل المدينة وقال والله لا تجوز حتى يأذن لك رسول الله فانه العزيز وانت الذليل فرجع ابن سلول الى الرسول وكان في مؤخرة الجيش وشكا له ما صنع به ابنه فأرسل اليه الرسول ان يخلي عنهِ ولقد طلب عمر (ر) ان يقتل فاجابه الرسول ما اريد ان يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابهِ ومما قال عنهم القرآن 'ومنهم الذي يؤذون النبي فيقولون هو اذن' وقوله 'واذا قيل لهم امنوا كما آمن الناس قالوا انؤمن كما آمن السفهاء' ولقد رد القرآن على اقوالهمِ ولم نسمع ان الرسول قد سجن احدا منهم او قتله بل ترك امرهم للهِ واعتبر تصرفهم نابعا عن امراض وعقد نفسية. وينبغي الا يفهم من ضربي لتلك الامثلة اني اضع دِ احمد في مصاف المنافقين فمقامه اكبر من ذلكِ فعلى الرغم من اختلافي معه وعدم ايماني بالكثير مما يقول الا انني يجب ان احترم رأيه واجتهاداته وليس من حقي ان اشكك في عقيدته او اسيء الظن في نواياه ومقاصده فهو استاذ ومفكر وباحثِ بل كل ما قصدته توضيح خصائص وطبيعة الدعوة الى الاسلامِ فبتلك الروح ارتفع الاسلام وظهر على اعدائهِ فازدهرت الحضارة الاسلامية بفضل الحرية الممنوحة للعلماء، وتسجل كتب التراث في العهد الاموي والعباسي خلافات كثيرة بين علماء الكلام والفلسفة الاسلامية ورجال الفكر والادب والسياسة فأدى ذلك التنوع الى بناء حضارة عظيمة ساعدت الامة العربية والاسلامية على قيادة الامم والشعوب الاخرى قيادة فكرية وروحية وعسكريةِ ولكن بعد انتصار الآراء التي تؤمن بوضع القيود والاغلال على العقل البشري سرعان ما فقدت الثقافة العربية قوتها وبدأت بالضعف والانحدار حتى وصلت الى عصر الجمود والتخلف فأدى ذلك الى ضعف الامة وسقوطها. اننا نعيش فترة تأخر حضاري رهيبة ولن نستطيع ان نبني نهضة او نحقق تقدما او رقيا الا عن طريق التجديد الثقافي ولن نستطيع تجديد الثقافة الا بوجود مفكرين احرار لا يخافون من تسلط الدولة وقوانينها عليهم، يجتهدون فيصيبون او يخطئون، ان جر اصحاب الفكر والقلم الى المحاكم والسجون ومصادرة آرائهم واجتهاداتهم سيلحق ضررا بالغا بالفكر والثقافة ويعيدها الى عصر الظلمات. ومن الخطورة بمكان ان ينصب القضاء نفسه حكما يفتي في قضايا الفكر والثقافة والاجتهاد فمهما قيل عن عدالة القضاء ونزاهته فانه سيظل عاجزا محدودا لا يستطيع ان يفصل في القضايا الفكريةِ وذلك لان الفكر والثقافة بحر واسع ويجب تشجيع المفكرين واصحاب الرأي على اقتحام تلك الامواج العاتية ليستخرجوا منها الكنوز الثمينة ليرفعوا من شأن امتهم، هذا هو الطريق الذي اتبعه علماء المسلمين عند تأسيس الحضارة الاسلامية وما فعلته اوروبا في بداية نهضتها العلمية وهو الطريق الذي يجب ان تتبعه كل امة تريد ان تنهض من سباتها. واننا اذ نشكر اللفتة الكريمة لصاحب السمو امير البلاد حفظه الله في عفوه عن الكاتب والمفكر، فاننا نأمل ان تضع تلك اللفتة الكريمة حدا لتلك الروح العدوانية التي تتعصب لآرائها وتعادي كل فكر معارض لها. 


10/23/1999
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com