دخلت الحرب السورية عامها الثامن ولا دليل حتى الآن على نهاية قريبة لها. ومن أسباب استمرار هذه الحرب كثرة الأطراف المتحاربة وعدم وجود طرف يستطيع فرض رأيه. المتضرر الأكبر من استمرار الحرب الشعب السوري، حيث قتل منه ما يقرب من 500 ألف شخص وأكثر من 12 مليون مشرد وآلاف من الجرحى، علاوة على التدمير الهائل الذي لحق بمدنه. وعلى الرغم من تلك المصائب التي تواجه الدولة لم يتوحد، بل ظل منقسماً إلى فصائل متناحرة. ولا قيادة عسكرية مشتركة لتلك الفصائل، وليس بينها أي تنسيق فبعضها يحارب بعضاً في بعض المناطق، ما جعل البعض يعتقد أنه لو سقط نظام الأسد سيقاتل بعض تلك الفصائل بعضاً، وهي الآن تحارب بعضها بعضا، في مناطق عدة. ولعل هذا الانقسام لدى الشعب السوري جعل جماعة أصدقاء الشعب السوري بمن فيهم الغرب وبعض دول الخليج يعتقدون أنه لا تنظيم محلياً قوياً يمكن الاعتماد عليه في حالة سقوط نظام الأسد.
ويعتبر نظام الحكم السوري في مقدمة المتسببين في إطالة أمد هذه الحرب لرفضه مطالب غالبية الشعب السوري الذي ثار ضد نظامه الفاسد المستبد، مطالباً بحكم ديموقراطي. ولمَّا عجز نظام الأسد عن هزيمة الشعب السوري استعان بإيران وميليشياتها ثم عجزوا جميعاً عن هزيمة الثورة السورية، فاستعانوا بروسيا. وبدخول روسيا الحرب تغيرت المعادلة على الأرض لمصلحة قوات النظام والقوى المتحالفة معه. كما احتلت أميركا أراضي في شمالي سوريا شرق الفرات داعمة قوات سوريا الديموقراطية، وهم من الكرد وسلّحتهم بأحدث الأسلحة. وتقدر المساحة التي سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من أميركا %30 من الأراضي السورية، وهي أراضٍ غنية بالنفط. وحاولت روسيا والقوى المتحالفة معها طرد قوات سوريا الديموقراطية من المنطقة التي احتلتها لكنهم وُجِهُوا بقوة أميركية رادعة قتلت منهم ما لا يقل عن 200 شخص. عندئذ أدركوا أن أميركا لن تسمح بالاقتراب من تلك المنطقة فقرروا الابتعاد.
في هذه الأثناء، احتل الجيش التركي مدينة عفرين، شمالي سوريا، بدعوى حماية حدودها الجنوبية من خطر الصعود الكردي الذي يمثله حزب الاتحاد الديموقراطي وأذرعه العسكرية. فهي ترفض إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية لاعتقادها بأنه يهدد أمنها القومي. وهكذا تحول الموقف التركي من دولة كانت مساندة للمعارضة السورية أو صديقة للشعب السوري ضد نظام الأسد إلى دولة محتلة، وبدأت تنسق مع روسيا وطهران للبحث عن مخرج لحل الأزمة السورية. كما تبدو طهران لاعباً أساسياً في تلك الحرب، وهي تسعى ليكون لها ممر بري يربط طهران بالبحر المتوسط. وكان لها دور فعَّال في تحقيق التغيير الديموغرافي في المدن السورية. أما بالنسبة للدور الأميركي فهناك من يرى أنها (أميركا) تريد أن تستنزف كل الأطراف في تلك الحرب، خاصة روسيا. فهي تخطط لبقاء روسيا عالقة في مستنقع الحرب السورية لأطول فترة ممكنة لإنهاكها. لذا فإن النصر الذي أعلن بوتين أنه حققه في سوريا عندما تمكن بقوة سلاحه من إخراج المعارضة من بعض المناطق وتسليمها للنظام لن ينهي الحرب. لأن غالبية الشعب السوري ترفض أن يحكمها مجرم ملطخة يده بدم الشعب السوري. فهي لم تقدم حلاً سياسياً يرضي غالبية الشعب، فالأزمة إذن ستستمر.
د. عبدالمحسن حمادة