الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
حب وهجران | رجوع

حب وهجران

أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا

هذا البيت مطلع نونية ابن زيدون الرائعة، التي بلغ عدد أبياتها 48 بيتا تقريبا. ويكنى بأبي الوليد وهو من شعراء الاندلس حيث ولد بقرطبة 394 – 463هـ، 1003 – 1071م. تأثر الشاعر بطبيعة الأندلس الجميلة. ينتمي الشاعر لقبيلة بني مخزوم العربية. كان والده عالما وتولى مناصب قيادية. كما اهتم بتعليم ابنه وجلب له أفضل المدرسين. لذا أصبح ابن زيدون شابا متعلما طموحا يتطلع لتولي مناصب قيادية عليا. وتقلد بالفعل بعض المناصب، وكان محل ثقة وتقدير من رؤسائه. وكثر حساده وحاكوا له الدسائس فتعرض للسجن ومكث فيه سنوات ثم خرج منه منتصرا وأصبح رئيسا للوزراء. ولكن يقال إنه مات مسموما فقد عاش في عصر كله فتن.
بعد انتقال الحكم من الأمويين إلى ابن جهور فتحت ولادة بنت المستكفي قصرها للأدباء وجعلت منه صالونا ثقافيا. كانت ولادة من أميرات بني أمية وكانت شاعرة وذكية ورائعة الجمال. ومن أوائل النساء اللاتي ألقين الحجاب واختلطت بالرجال. وكان ابن زيدون من رواد صالون ولادة فأعجب بذكائها وشخصيتها وجمالها وسرعان ما تحول الإعجاب إلى حب. وقد يختلف حب الشاعر بعاطفته ورقة مشاعره عن حب الإنسان العادي فقد يرى الشاعر محبوبه ويتصور أنه يختلف عن البشر. فكان يصف ولادة كأنها من المسك أو التبر أو كأن الشمس أرضعتها فاكتسبت النور وغيرها من الأوصاف الشعرية. وبادلته ولادة بحب مثله. وأمسيا يلتقيان في حدائق قرطبة. وبعد لقائه بولادة ازداد حبه لها وقال شعرا يعبر فيه عن حبه الصادق. ولكنها فضلت أن تهجره وتقطع علاقتها به. وحاول أن يسترضيها، ولكنها كامرأة فضلت الهجران.
وألهب الهجر عاطفة الشاعر وازداد حبا لمن هجره وأنشد شعرا جميلا يعبر فيه عن مشاعره أثرى الأدب العربي. لذا نراه يقول
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا
أن طالما غير النأي المحبينا
واختلفت الروايات في سبب هجر ولادة للشاعر. وهناك من أرجعه إلى الغيرة. حيث ظنت أنه أحب جاريتها المغنية عتبة. وهناك من يرجعه لانتقاد ابن زيدون لشعر ولادة. وهناك من ارجعه لانضمام ابن زيدون لحركة معادية للامويين. وهناك من يرى أن ولادة كانت من النساء اللاتي يستمتعن بتعذيب من يعشقهن. وهناك من يرى أن ولادة لما عرفت ان ابن زيدون متواجد في الحديقة التي كانا يلتقيان بها ذهبت إليه واحتضنته حتى فارقا الحياة وهذه رواية ضعيفة، والصحيح انها عاشت بعده عشرين عاما، وماتت عن 80 عاما، ولم تتزوج. وقد قال هذه القصيدة في محبوبته ولادة محاولا أن يستعطفها ولكن من دون جدوى.

د. عبد المحسن حمادة



4/21/2018
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com