مصر من الدول العربية التي نجت من مصيدة {الربيع العربي}، الذي كما يراه بعض المحللين مشروعاً مبهماً، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. نادى المروجون له بالتغيير وإسقاط أنظمة الحكم الاستبدادية، ليقيموا نظماً ديموقراطية، ولكن تبين أن الوسائل التي ستتبع لتحقيق تلك الأهداف محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى سقوط الدولة في الفوضى وتفكك أجهزتها الأمنية والدفاعية. بالنسبة لمصر لما شعر الرئيس مبارك بخطورة الأوضاع وعجزه عن مواجهتها وخوفه على مستقبل الدولة، بادر الى تقديم استقالته ووضع الدولة أمانة في يد القوات المسلحة لتحافظ عليها.
لا شك أن الرئيس مبارك في تصرفه قد أنقذ مصر من مؤامرة كانت تحاك ضدها، كما كانت تحاك ضد معظم الدول العربية. كما أنقذ مصر عندما ظل طيلة فترة حكمه، التي امتدت ثلاثين عاما لم يعبث بجيشها، فظل جيشاً ذا عقيدة وطنية يخدم الدولة لا يخدم الرئيس. لولا هذا التصرف الحكيم لأصبح مصير مصر كمصير بعض الدول العربية، التي تشتعل فيها حروب أهلية، وتتحكم فيها ميليشيات طائفية مسلحة، ولاؤها في الغالب للخارج. وقد يسخر البعض من نظرية المؤامرة ويصفها بأنها نوع من الوهم يسيطر على عقول البعض. نقول لهؤلاء صحيح إن التاريخ ليس كله مؤامرات، ولكنه مملوء بالمؤامرات والدسائس.
ومع إيماننا أن الوطن العربي يتعرض لأخطار كثيرة قد تهدد أمنه واستقراره، وقد يتطلب منا هذا التعاطي مع القضايا الوطنية نوعاً من الحذر والحيطة. وإذا كانت تجربتنا الديموقراطية بحاجة إلى إصلاح فنتمنى أن يتم الإصلاح بوعي حتى لا يتفجر المجتمع من الداخل. وعلينا أن ندرك أن هناك جماعة تطالب بالإصلاح بنوايا وطنية حسنة، وهناك جماعات تخفي وراء المطالبة بالإصلاح نواياها الشريرة. وبكل تأكيد أن الجيش المصري مدرك لهذه الأمور وقادر على السيطرة عليها وحفظ أمن مصر من عبث العابثين، لذلك سارت الانتخابات بكل هدوء، بالرغم من أن الدولة تخوض حرباً شرسة ضد الإرهاب. فلم تمنع تلك الحرب الشعب من النزول للانتخابات. فقد صوت 24 مليون ناخب من أصل 60 مليوناً ممن يحق لهم التصويت تقريبا، أي بنسبة %47، صوت منهم للسيسي 22 مليونا. ولم يستطع أحد أن يتهم الجيش بالتأثير في الانتخابات.
نتمنى أن يكون الشعب المصري الرابح الأول من تلك الانتخابات ويحصل على أمنه واستقرار وطنه. وأن يكون الرئيس السيسي حريصا على تقدير ثقة الشعب المصري، ويعمل على إسعاده وتحقيق الرفاهية والتقدم للدولة المصرية، وتطوير النظام الديموقراطي، وأن يكون الخاسر الأكبر كل من نادى بمقاطعة الانتخابات، ثم ادعى كذبا بأن اللجان خاوية من المصوتين، فأعماه الحسد من رؤية ملايين المصوتين.