من المؤسف حقّا عندما تواجهنا مشكلة أو أزمة يسارع كثير منا بوعي أو من دون وعي لرفع أصابع الاتهام لنظامنا التربوي ليحمّله المسؤولية عن كل ما يحدث في الدولة من أخطاء، ويصفه بالمتخلّف والعاجز عن معالجة المشكلات والتحديات التي تواجه الدولة. ويضرب أمثلة ليبرهن على صحة رأيه بألمانيا واليابان على أساس أنهما بعد الحرب قامتا بإصلاح نظامهما التربوي لتنهضا من جديد. ومع احترامنا لمثل هذه الآراء إلا أننا نعتقد أن ألمانيا واليابان كانتا من الدول المتقدمة في مجال الصناعة والزراعة قبل الحرب واستمرتا كذلك بعد الحرب. ولكنهما راجعتا نظامهما التربوي لتغيير النظرة العنصرية العدوانية التي غرسها النظام الفاشي لدى الشعبين، والتي جعلتهما تميلان الى الحروب من أجل التوسع والاستيلاء على أراضي الغير.
أما بالنسبة الى مجتمعنا فقد أثبتت الدراسات أنه لا يستطيع أن يتحوّل إلى مجتمع يعتمد على الزراعة والصناعة كمصدرين يساعدان على تنويع مصادر الدخل. ولكن من الممكن أن يكون مجتمعا ماليا جاذبا للاستثمارات الأجنبية. وقد نحتاج إلى إصلاحات في نظامنا الإداري، خصوصا محاربة الروتين والبيروقراطية وتوفير الإمكانات والظروف اللازمة لتكون الكويت بيئة صالحة تطمئن المستثمر الأجنبي وتشجعه على استثمار أمواله في الكويت.
أما بالنسبة الى نظامنا التعليمي فمنذ أن أشرفت الدولة عليه قبل 80 عاما، فهو يخضع لكثير من الدراسات لتطويره وإصلاحه. فقد حقّق بفضل تلك الجهود كثيرا من التطورات. وهو ما زال بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات ليواكب التغيّرات السريعة الجارية في الثقافة المعاصرة. وسأشير إلى بعض التغيّرات التي حدثت في نظامنا التربوي، ومنها:
1 – التطورات الكمية المتمثلة في ازدياد عدد المدارس والمدرسين ليتمكن كل طفل وطفلة من الالتحاق بمدرسة قريبة من مسكنه بمختلف مراحل التعليم من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية. فأدى انتشار التعليم إلى انخفاض واضح في معدل الأمية، فبعد أن وصلت الأمية عام 1958 نسبة %60 أصبحت في عام 2008 حوالي %4.8.
2 – انعقاد مؤتمر المناهج عام 1972، حيث أعلنت الوزارة قبل انعقاد المؤتمر أن التربية ليست حكرا على وزارة التربية، وإنما هي مسؤولية تضامنية، يجب أن يساهم جميع فئات المجتمع في تطوير التعليم. فخلقت وعيا اجتماعيا أدى إلى مشاركة فئات كثيرة من المجتمع في فعاليات ذلك المؤتمر. وحرصت الوزارة على تنفيذ توصيات المؤتمر، ومن أهمها، تحديد الأهداف التربوية على أسس علمية، وتأليف الكتب الدراسية في الكويت بدلا من استيرادها من الخارج. وإنشاء مركز البحوث التربوية ليساهم في تطوير العملية التربوية، وإنشاء مركز المعلومات الآلي. وإنشاء مركز لتدريب العاملين في التربية من قياديين وإداريين ومعلمين.
3 – تطبيق نظام المقررات على مستوى المرحلة الثانوية، نظراً إلى كثرة النقد الموجه للمدرسة الثانوية، وشكلت وزارة التربية لجنة لدراسة المشكلات التي يثيرها المربون حول التعليم الثانوي والبحث عن حلول لها. ورأت اللجنة أن الأخذ بنظام المقررات سيساعد في معالجة تلك المشكلة. على اعتبار أنه نظام يحمل فلسفة تربوية عميقة ومطبق في معظم الدول المتقدمة. وبعد دراسات استغرقت أكثر من ثلاث سنوات تم افتتاح أول مدرسة للمقررات. ومن المؤسف تم إغلاق مدارس المقررات بعد ظهور بعض المشكلات التي كان من الممكن معالجتها.
د. عبد المحسن حمادة