الاستثمارات الخارجية فكرة رائعة، بدأ التفكير فيها منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي. فقد أحدث تدفق النفط على أرض الكويت نهضة عمرانية وثقافية واسعة ما كانت لتحدث لولا تدفق النفط الذي وفر المال اللازم لإحداث تلك النهضة. ورأى كثير من المعنيين في شؤون الدولة، حكومة وشعباً، أن تلك النهضة قد لا تستمر لاعتمادها المباشر على الثروة النفطية، والتي هي كما تأكد لهم أنها سلعة ناضبة ستنتهي في يوم من الأيام. من هنا بدأ التفكير بمستقبل الكويت ومستقبل الأجيال القادمة، وكيف يمكن أن نوفر لهم حياة كريمة بعد النفط. وكان هناك شبه إجماع على أن المجتمع الكويتي لا يصلح لأن يكون مجتمعا صناعيا ولا زراعيا، فبدأ التفكير في البحث عن مصدر آخر لدخل الدولة يمكن الاعتماد عليه في حالة نضوب النفط أو انخفاض أسعاره، ليساهم في استمرارية النهضة، فبرزت فكرة الاستثمارات الخارجية وصندوق الأجيال القادمة.
بعد الإيمان بأهمية المشروع، صدر قانون صندوق الأجيال القادمة، حيث اقتنع الكويتيون بأن هذه الثروة ليست ملكا للجيل الحاضر يتصرف فيها كيف يشاء، بل لا بد من التفكير بمستقبل الأجيال القادمة، وتوفير حياة كريمة لهم في حالة نضوب النفط. فكان قانون صندوق الأجيال القادمة الذي ينص على وجوب اقتطاع جزء محدد من عائدات النفط سنويا لا يقل عن %10 توضع في صندوق الأجيال القادمة. ويتم استثمارها في الدول المتقدمة. والتزم الكويتيون بالتقشف ولم يطالب أحد بالإنفاق من تلك الأموال حرصا على مستقبل الدولة. وبفضل الإدارة الجيدة للمشروع والتزام الكويتيين بعدم المساس به نجح المشروع وأصبحت للكويت استثمارات في الدول المتقدمة تحقق عائدات جيدة. وأثناء فترة الاحتلال لما احتاج الكويتيون إلى المال للإنفاق على الشعب في الداخل والخارج ولتحرير الكويت، تم الأخذ من تلك الأموال. وتأثر الصندوق في تلك الفترة وانخفضت عائداته، إلا أن ارتفاع أسعار النفط فيما بعد وحسن إدارة الصندوق عوّضا لنا أكثر من ذلك. وأصبحت لنا عائدات متميزة في ذلك الصندوق قد تصل إلى أكثر من 500 مليار.
اليوم تغيرت القيم، وأصبحت لدينا شخصيات وصلت إلى مراكز قيادية كنواب أو مسؤولين، بعضهم ربما لا يهمه مستقبل الأجيال القادمة، لذلك نراهم يسخرون ويستهزئون من ذلك المشروع الوطني الرائع، ويريدون هدم ذلك الصرح الضخم. يرددون بلا مسؤولية عبارات مثل لماذا عندنا استثمارات تقدر بـ500 مليار، واضعينها في صندوق نتفرج عليها؟ ضروري نسحبها ونصرفها على الشعب.. مثل هذه العبارات غير المحسوبة قد يقولها بعض النواب أو مسؤولون ظناً منهم أنهم يحققون من ورائها مكاسب شخصية على حساب مستقبل الدولة ومصلحتها.
كنا نتمنى أن يكون للحكومة رد قوي وحاسم على تلك الآراء الهدامة، ولكنها كما عوّدتنا صمتت ولم تحدد موقفها، وقد يفسر البعض بأن السكوت علامة الرضا. ونأمل ألا يتجاوب أغلبية الأعضاء والرأي العام الكويتي معها، وأن يتصدوا لها لتموت تلك الآراء في صدر صاحبها.