هذا ما قاله المتنبي مادحا، كما اعتقد سيف الدولة الحمداني، لانتصاره على الحاكم الفاطمي في معركة حلب، كما يرى البعض. فمدحه لهذه المناسبة في قصيدة قال فيها:
إنما الناس بالملوك وما تفلح عرب ملوكها عجم
معنى الفلاح النجاح والتقدم. فالشاعر يؤكد أن العرب لن يعرفوا التقدم ولا الخير اذا حكمهم طرف خارجي. ويرى بعض المؤرخين أن الفاطميين كانوا يتآمرون على العرب وعلى المصريين لمد النفوذ الفارسي من جهة، ويتعاونون مع الصليبيين من جهة أخرى. وظلوا كذلك حتى أسقط دولتهم صلاح الدين، الذي أدرك استحالة تحرير القدس بوجود الفاطميين.
الشاعر أبو الطيب والممدوح سيف الدولة كلاهما من الشيعة العرب على ما يبدو من تاريخهما. وقد يكون هذا دليلا على أن الشيعة العرب كانوا يعتزون بعروبتهم، ولا يمكن أن يضعوا أيديهم في يد أي فارسي يريد الهيمنة على أمتهم. ولا بد من التوضيح أننا عندما نتكلم عن العنصر الفارسي الخطير على الأمة لا نعني عموم إيران؛ لأننا نعلم ان دخول إيران الإسلام ساهم في تطوير الحضارة الإسلامية وتقدمها. وهناك من الفرس أنفسهم من درس أفكار المتطرفين منهم واحتك بهم احتكاكا مباشرا، فألف مؤلفات محذرا من أخطارهم على الأمة، أمثال البخاري والإمام الغزالي، الذي كتب عن أخطار الباطنية، وإنما المقصود المتطرفون منهم الحاقدون على العرب لاعتقادهم أنهم السبب في اسقاط الإمبراطورية الفارسية. وكلما امتلك هؤلاء المتطرفون المسؤولية في إيران حاولوا إشعال الحروب ضد العرب وبدأوا بحياكة المؤامرات ضدهم، كما حدث مع الدولة الصفوية التي دمرها السلطان سليم.
واليوم تتشابه المواقف عند البعض الذي يرى في إشعال الحروب وسيلة لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية. وأعلن البعض منذ البداية عن عزمهم تصدير الثورة، وهذا يعني أنهم كانوا يحلمون بالسيطرة على ما يقرب من 51 دولة عربية وإسلامية ووضعها تحت النفوذ الإيراني. وحاول هؤلاء إخفاء أطماعهم تحت رفع شعارات العداء لأميركا وإسرائيل والصهيونية. غير أن الواقع أثبت غير ذلك. وأثبتت معركة حلب التي استمرت زهاء 4 سنوات أنهم والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية التي جلبوها من كل صوب كانوا أعجز عن تحقيق أي انتصار على الثورة السورية، فاستعانوا بالجيش الروسي الذي دمر بلاد الشام وقتل شعبها.
كان سقوط حلب جديراً بأن يوحّد الشعب السوري تحت راية وطنية واحدة. ما دام عدوهم موحدا.. ولكن بكل أسف ما زالوا مفككين إلى فصائل متنافسة. وهناك من يعتقد انه إذا سقط نظام الأسد فستدخل سوريا في حرب بين تلك الفصائل، فإذا عجزوا عن تحقيق الوحدة في ما بينهم، فالأفضل أن يلقوا أسلحتهم ويسلموا دولتهم للمجرم، ويكفي ما حدث لسوريا من دمار وضحايا. فمن المستحيل أن ينتصر شعب وهو مفكّك.
د. عبدالمحسن حمادة