بعد أيام سننتخب أعضاء لمجلس جديد، وقد تختلف الانتخابات المقبلة عن سابقاتها. من حيث إنها ستأتي بعد حل مجلس أمة جرى انتخابه بعد تعديل قانون الانتخابات. وأثار القانون الجديد جدلا في الشارع الكويتي بين مؤيّد ومعارض. ومارس المعارضون أنواعاً مختلفة من الاحتجاجات. وأدخلوا الدولة في نوع من الفوضى والصخب. كتسيير التظاهرات الليلية واقتحام مجلس الأمة ومركز الإطفاء. وارتفعت الأصوات عالية بإلقاء الخطب الرنانة التي تضمنت تهديدات صريحة للحكومة إذا لم تتراجع عن هذا القانون. ولكن الحمد لله أن الحكومة كانت حازمة في رأيها ولم تتردد أو تظهر أي مظهر من مظاهر الضعف، لأن الضعف في مثل ذلك الوقت كان سيدخل الدولة ـــ لا سمح الله تعالى ـــ في أنواع شتى من الفوضى والاضطراب اللذين قد لا نعرف كيف الخروج منهما.
لذلك، لم تلتفت الحكومة الى تلك التهديدات، وأجرت الانتخابات في ظل القانون الجديد بعد أن أقرته المحكمة الدستورية. وأعلن من يطلق على أنفسهم الأغلبية مقاطعة الانتخابات، وطلبوا من الجماهير أن تقاطع الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً. ظنّا منهم ان الحكومة ستخشى تهديداتهم، وستستجيب لمطالبهم. ولكن سرعان ما خاب ظنهم وذهبت الجماهير الى صناديق الانتخابات. وجرى إجراء الانتخابات في ظل القانون الجديد. وكانت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات لا تختلف عن نسبة المشاركات في الانتخابات الأخرى.
اليوم نرى المعارضين لانتخابات مجلس الصوت الواحد كما كان يحلو لهم أن يسموه بالأمس، والذين قالوا عن أعضاء مجلس الصوت الواحد إنهم سيلقون في مزبلة التاريخ. ماذا عساهم أن يقولوا اليوم للناخبين وقد رشحوا اليوم أنفسهم في ظل القانون المعيب من وجهة نظرهم؟ لقد رأيت بعضهم دائرين على دواوين المنطقة التي رشحوا أنفسهم فيها، مرددين عبارات يقولون فيها إن الكويت قد وصلت إلى مستويات عالية من الفساد والتخلّف والتردي، وعلى كل الأصعدة. وان من أهم أسباب ذلك يرجع الى مقاطعتهم الانتخابات. حيث أدى ذلك إلى أن يصل إلى البرلمان أعضاء غير جديرين بهذا المنصب القيادي، وليست لهم الشجاعة الكافية لمواجهة الحكومة بمساوئها وعيوبها. لذلك، يزعمون أن حبهم للكويت هو الذي دفعهم الى الترشح لإنقاذ الدولة من الانحدار الذي هي سائرة فيه.
ولكنهم في هذا الكلام المعسول لن يستطيعوا إخفاء الدوافع الحقيقية الكامنة في أنفسهم التي دفعتهم الى الترشح للمجلس النيابي. إنهم يبحثون عن المزايا والمكاسب ومصالحهم الخاصة التي كانوا يجنونها عندما كانوا أعضاء في البرلمان. فضلا عن تسليط الأضواء عليهم عندما كان الإعلام ينشر تصريحاتهم وتحركاتهم وأسفارهم في رحلاتهم البرلمانية والمؤتمرات التي يحضرونها لمناقشة كثير من القضايا المهمة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتربوية، التي تهم المنطقة والعالم. والتي افتقدوها بعد تركهم المجلس وأصبحوا يحنون لتلك الأيام. أما مصلحة الكويت ـــ كما يزعمون ـــ فاعتقد أنها آخر شيء يفكرون فيه.
يجب أن نذكّرهم بأنهم عندما سيطروا على المجلس حولوه لساحة ردح وتهديد الوزراء والمسؤولين، ومعظمهم كانوا شرفاء مخلصين لوطنهم ومتقنين عملهم، هددوهم بجرهم لـ «المقصلة»، هكذا كانوا يطلقون على الاستجواب الدستوري.
نرجو إذا وفقهم الله تعالى أن ينتهوا من ذلك السلوك الشائن الذي أوشك أن يدمر الحياة البرلمانية في وطننا. وقد أنقذنا الله بالقانون الجديد الذي مكننا من تحرير المجلس النيابي من تلك الفئة التي احتكرت البرلمان، في ظل القانون القديم، تبادلهم الأصوات في المجالس السابقة.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com