
اعتاد قادة الجمهورية الإسلامية على الاحتفال لإحياء الذكرى السنوية لثورة الإمام الخميني، تلك الثورة التي اندلعت منذ 37 عاما في فبراير 1979، كان قائد تلك الثورة الإمام الخميني مصرا على إنجاح الثورة، حتى لو أدى ذلك إلى سفك دماء المعارضين لها. وكانت الاعدامات الجماعية قد تصل إلى الآلاف في بعض الأحيان في عطلة نهاية الأسبوع. فبعد أن استولى الملالي على الدولة صبغوا نظام الحكم بايديولوجية قوامها الإيمان بعقيدة قتالية تسعى وراء تحقيق أمجاد الإمبراطورية الفارسية، ولن يتحقق ذلك إلا بالتوسع في الأراضي العربية، على اعتبار أنها كانت جزءا من الإمبراطورية الفارسية. وبالرغم من أن إيران حاولت أن تغطي تلك الأطماع بالدفاع عن القضية الفلسطينية وتحرير القدس، فإن دول الخليج أدركت أن أمنها القومي أصبح مهددا نتيجة للتوسع الإيراني، بعد أن رأت أن إيران تضع يدها على لبنان والعراق وسوريا واليمن، فلجأت إلى عاصفة الحزم لحماية أمنها.
وبعد أن استتب الأمر للإمام الخميني في طهران، نادى بتصدير مبادئ الثورة إلى الدول المجاورة، فتحرك الدعاة بنقل تلك الأفكار إلى الدول المجاورة بادئين بالعراق وسوريا ولبنان ودول الخليج. وقابلهم صدام بالعنف فأدى ذلك إلى اشعال الحرب العراقية ـــ الإيرانية، التي حصدت أرواح مليون شهيد. وفي رأيي أن تلك الحرب انتهت بهزيمة لنظام الخميني، إلا أن صدام بجنونه دمر ذلك الانتصار باحتلاله للكويت، مما أدى إلى ظهور تكتل دولي لتحرير الكويت خرج العراق من تلك الحرب ضعيفا. وفي عام 2003، قامت أميركا باحتلال العراق، وقامت إيران بدور مهم في مساعدة أميركا على احتلال العراق وأفغانستان. وأصبح لإيران ورجالها نفوذ واسع في العراق في عهد ذلك الاحتلال. حتى قيل لأميركا «انك قدمت العراق هدية لإيران على طبق من الذهب».
ومن أسوأ ما صنعته إيران في عالمنا العربي تنشئة ميليشيات طائفية مسلحة تدين بالولاء لطهران، وفي مقدمة هذه الميليشيات ميليشيا حزب الله اللبناني وميليشيات عراقية والحوثي في اليمن، تحولت تلك الميليشيات إلى جيوش احتلال إيرانية داخل البلاد العربية، مثيرة كثيرا من النعرات الطائفية والأحقاد والفتن.
الاحتفال في هذا العام اختلف عن الاحتفالات التي كانت تجري في الأعوام السابقة، وظهر الاختلاف في الخطابين اللذين ألقاهما كل من المرشد آية الله علي خامنئي، ورئيس الجمهورية روحاني، في افتتاح مجلس صيانة الدستور، الذي فاز الإصلاحيون بغالبيته. إذ ان المرشد، الذي ستنتهي ولايته، والبحث عن مرشد آخر متشدد ومتمسك بالماضي، خاطب مجلس صيانة الدستور الذي سينتخب القائد الجديد بأنه يجب أن يكون ثوريا ويبقى ثوريا ويفكر بطريقة الثورة، واعتبر أي تخريب لدور المجلس غير إسلامي وغير شرعي وغير قانوني. ورد روحاني قائلا: يجب أن نفكر براحة الناس ومستقبل الدولة. وانتقد المتشددين بأنهم لا يفكرون إلا بمصالحهم.
نتمنى أن تكون إيران دولة مستقرة تخطط لبناء اقتصادها ومساعدة الدول المجاورة على الاستقرار، بدلا من أن تعيش في زمن الثورة وزعزعة استقرار الدول المجاورة، ويفسر هذا التغير الإيراني ما قيل أن إيران بعثت بمندوب إلى الكويت يبلغها برغبتها في تكوين علاقة طيبة مع دول الخليج.
د. عبدالمحسن حمادة
d-hamadah@hotmail.co