أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
البيت لدريد بن الصمة، وهو شاعر جاهلي، أدرك الإسلام ولم يسلم، ومات ظهيرا للمشركين في حرب حنين. وهو عكس الخنساء التي خطبها ورفضته، وذهبت إلى المدينة مع مجموعة من قومها وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن اسلامها. وكان الرسول يناديها بـ«خناس»، والتي أدركت معركة القادسية، التي تم فيها تحرير أرض العراق من الاحتلال الفارسي، ثم تم فتح بلاد فارس ودخل الفرس الإسلام. وشجعت أبناءها الأربعة على الجهاد في سبيل الله، الذين استشهدوا جميعا في تلك المعركة، وفرحت باستشهادهم. قال دريد هذا البيت في قصيدة يرثي اخاه عبدالله، الذي قتل في معركة اللوى. وكان عبدالله غزا غطفان وساق أموالهم، ولما ابتعد عنهم قليلا قال لقومه انزلوا بنا في منعرج اللوى.. وناشدهم دريد بالمسير، لأن المكان ثريب من غطفان التي ستتبع آثارهم وستحاول الانتقام منهم واسترجاع أموالها. وأصر عبدالله على النزول وتناول الغذاء وتوزيع الغنائم على أصحابه. فأدركتهم غطفان وقتل عبدالله وتفرقت جماعته، وكان دريد ضمن الجرحى، فلما تشافى، قال هذه القصيدة ومن أبياتها:
أرث جديد الحبل من ام معبد
بعاقبه أو أخلفت كل موعد؟
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يتبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فلما عصوني كنت منهم وقد أرى
غوايتهم أو أنني غير مهتد
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت
وإن ترشد غزية أرشد
تنادوا وقالوا أردت الخيل فارسا
وقلت أعبدالله ذلكم الردي
فإن يك عبدالله خلى مكانه
فما كان وفاقا ولا طائش اليد
وأصبح البيت مثلا لكل من يستخف بنصيحة الحريص على سلامته، ثم تصيبه المصيبة نتيجة تجاهله لتلك النصيحة. وقد استشهد به الإمام علي كرم الله وجهه، بعد أن تجاهل أصحابه رأيه برفض التحكيم، لاعتقاده بأن معاوية يريد خداعهم. فلما قبلوا بالتحكيم ولم تعجبهم نتائجه وجهوا اللوم للإمام علي. فقال لهم «لا أقول لكم إلا ما قال أخو هوازن»، مستشهدا بالبيت. وأم معبد زوجة دريد، طلقها بعد أن أنكرت عليه حزنه الشديد على أخيه واهمال أسرته، قائلة ان أخاه يستحق ذلك المصير لأنه طائش.
وقد ينطبق البيت على سياستنا المالية والاقتصادية المشوبة بالإسراف والتبذير من دون تعقل، وقد حذرنا الكثير من الخبراء الاقتصاديين المحليين والإقليميين والدوليين من خطورة تلك السياسة. وأصبحت لدينا وفرة من الدراسات التي تطالب بخفض الإنفاق، حرصا على مستقبل الأجيال القادمة. ولكن اعتقد انه ليس لدى السلطة التشريعية والتنفيذية القدرة اللازمة لاتخاذ قرارات صعبة غير شعبية، لوقف نزف الثروة الوطنية، واتباع سياسة التقشف لضمان حياة كريمة للأجيال القادمة، حتى بعد انخفاض أسعار النفط وظهور العجز في الميزانية.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com