أصبح معروفاً في أدب القضاء أن القاضي لا يجوز له أن يحكم لنفسه ولا لأقاربه ولا لخصومه. وإذا تبين له وهو ينظر في قضية أن فيها أحد أقاربه أو خصومه، فعليه أن يتنحى عنها لقاض آخر؛ لكي لا تتأثر عاطفته ويفقد حياده. وهذا ما نادت به معظم الشرائع ومنها الدين الإسلامي، يرى الشافعي عن أدب القاضي «كل من حكم لنفسه ووالده وولده ومن لا تجوز له شهادته رد حكمه». ويقول الماوردي: «أما حكم القاضي لنفسه فهو مردود، كما ترد شهادته لنفسه، لأنه مؤتمن في حق غيره لا في حكم نفسه» (الحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي، مسألة، الجزء السادس عشر). وهذا ما استقرت عليه سائر التشريعات المعاصرة، وهو ما ذهب إليه التشريع المصري الذي نص في المادة 46 من قانون المرافعات على أن القاضي يكون غير صالح لنظر الدعوى في حالات معينة، وذلك له أو لزوجه أو لأحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، خصومة قائمة مع أحد الأطراف (د. عمار عبدالله، المصري اليوم، 2015/6/7).
في ضوء ذلك سننظر في القضية التي حكم فيها قضاتنا الأفاضل ومنحوا بموجبها امتيازات عالية لأنفسهم. اختلف معهم معظم الشعب الكويتي والحكومة. على أساس أن تعديل الرواتب لا يتم إلا بإصدار قانون. والجهة المخولة لإصدار القوانين في الدولة هي السلطتان التشريعية والتنفيذية. وعلى الرغم من أن سائر الشعب الكويتي يقدر العمل الكبير الذي يقوم به قضاتنا الأفاضل الحريصون على تحقيق العدالة ونشرها في ربوع المجتمع، ويؤمن أنهم يستحقون أفضل الرواتب في الدولة، ويفتخر بأن لدينا قضاة أفاضل أمثالكم استطعتم أن تحولوا قضاءنا إلى قلعة حصينة يلجأ إليها الضعفاء والفقراء والمظلومون يطلبون إنصافهم من الأقوياء وتمنحونهم حقوقهم غير منقوصة بالعدل. لذا نعتقد أنكم يا قضاتنا الأفاضل تستحقون كل خير. إلا أن موضوع تعديل الرواتب يجب أن يتم التشاور فيه بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، على أن يراعي التعديل ظروف الدولة وامكاناتها المالية.
قضاتنا الأفاضل، نحن دولة ريعية، تعتمد في دخلها على مصدر وحيد وزائل وهو النفط. ونحن قلقون على مستقبل أجيالنا القادمة وكيف نوفر لهم حياة كريمة بعد النفط؟ ساور هذا القلق المخلصين من أبناء المجتمع منذ أكثر من نصف قرن، ونادوا بالتقشف وتوفير أموال من عائدات النفط ووضعها في صندوق الأجيال القادمة، وتحولت هذه الفكرة إلى هدف تضمنته خطط التنمية المتعاقبة من أول خطة حتى آخرها. ولكن منذ أكثر من 10 سنوات ظهرت ظواهر سلبية تمثلت بمطالب شعبوية تنادي بزيادة الرواتب والأجور فأدت إلى تآكل أموال الصندوق. وفي هذه الأثناء ظهر نشطاء قلقون من ظاهرة الإسراف والتبذير ويبذلون كل الجهد لإيقافها.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com