كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً | رجوع
كن جميلاً ترَ الوجود جميلاً أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟ إن شر الجناة في الأرض نفس تتوقى قبل الرحيل رحيلا. هذه أبيات من قصيدة لإيليا أبي ماضي (1889 ـــ 1957). وهو من شعراء المهجر، هاجر من لبنان مع أسرته، وهو طفل في الـ 11 من عمره إلى القاهرة، ثم إلى أميركا الشمالية. وتمت الهجرة بسبب اضطهاد العثمانيين للعرب بصفة عامة.. وعلى وجه الخصوص المسيحيون منهم. ومن أسباب اضطهاد العثمانيين للعرب في تلك الفترة شعورهم بتحرك عربي ضد الاحتلال العثماني للأرض العربية. وبعد الاستقرار في الوطن الجديد تأثر المهاجرون بالثقافة والفكر والحرية الممنوحة للمفكر والأديب في بيئتهم الجديدة، فساعد ذلك على نمو مواهبهم. فأسسوا روابط أدبية وصحفاً ومجلات لتسجيل فكرهم وأدبهم. وكان لهم دور في تجديد الشعر العربي بعد الجمود الذي أصابه. وكان من خصائص شعرهم النزعة الإنسانية، والتعرف على أسرار النفس البشرية، والحنين إلى الوطن، والشعور بالغربة، والاتجاه إلى الطبيعة والتغنّي بجمالها. ومن قصائدهم هذه القصيدة التي قالها الشاعر يخاطب فيها الإنسان، يطلب منه أن يكون متفائلاً ويحذّ.ره من التشاؤم. والتفاؤل من الصفات التي أكدها الإسلام وطلب من المسلمين الصبر على المصائب. «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ب.شَيْءٍ مّ.نَ الْخَوْف. وَالْجُوع. وَنَقْصٍ مّ.نَ الأَمْوَال. وَالأنفُس. وَالثَّمَرَات. وَبَشّ.ر. الصَّاب.ر.ينَ * الَّذ.ينَ إ.ذَا أَصَابَتْهُم مُّص.يبَةٌ قَالُوا إ.نَّا لله. وَإ.نَّا إ.لَيْه. رَاج.عُونَ» (البقرة: 155 و156)، «لَتُبْلَوُنَّ ف.ي أَمْوَال.كُمْ وَأَنْفُس.كُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ م.نَ الَّذ.ينَ أُوتُوا الْك.تَابَ م.ن قَبْل.كُمْ وَم.نَ الَّذ.ينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَث.يرًا وَإ.ن تَصْب.رُوا وَتَتَّقُوا فَإ.نَّ ذَل.كَ م.نْ عَزْم. الأُمُور.» (آل عمران: 186). فالصابر على المصائب هو الإنسان القوي الذي يعتقد أنها ستزيده قوة، وأنها مرحلة ستزول وستأتي مرحلة أفضل منها. أما المتشائم فينظر إلى الحياة بمنظار أسود، يركّ.ز على البؤس والشقاء، ويتعامى عن كل ما فيها من جمال. فيصف الشاعر تلك النفس بقوله: وترى الشوك في الورد وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا. ويستغرب من الإنسان الذي يملأ قلبه الخوف والحزن والأسى. ويطلب منه أن يتخلى عن ذلك الحزن ويملأ فؤاده بالسعادة، وأن يقتدي بالطيور التي أدركت فلسفة الوجود، فتغرد سعيدة في كل صباح، على الرغم من قصر عمرها، فلماذا تبكي أيها الإنسان؟ فيقول: أدركت كنهها طيور الروابي فمن العار أن تظل جهولا تتغنى والصقر قد ملك الجو عليها والصائدون السبيلا تتغنى وعمرها بعض عام أفتبكي وقد تعيش طويلا؟ وهناك من يرى أن الشاعر في هذه القصيدة كان يخاطب نفسه. فهو حزين لشعوره بأنه يعيش في غربة في مجتمع، قد ينظر نظرة عنصرية إلى القادمين من الشرق وقد يحرمهم من الوصول إلى مناصب قيادية.
د. عبدالمحسن حمادة D_hamadah_hotmail.com
5/28/2015
|