ما أشد آلام الفراق، وما أصعبها، وأقساها على الإنسان، خاصة إذا كان رحيلا بلا عودة، ولا أمل في اللقاء. كيف يقوى الإنسان على فراق إنسان عاش معه في بيت واحد؟ قضيا فيه زمن الطفولة والشباب معا، ونما بينهما حب حتى أوشكا أن يكونا جسمين لروح واحدة. إن حب الإنسان لأخيه من أقوى أنواع الحب، لذلك يشبه الله الروابط والعلاقات التي ينبغي أن تربط بين المؤمنين بمثل العلاقات التي تربط بين الإخوة. فللإخوة معان عميقة في لغتنا العربية توحي بالحب والإخلاص، وقد يفتقدها الإنسان الذي يعيش بلا أخ أو أخت.
مطلوب منا ـــ بني البشر ـــ أن نواجه المصائب دون أن نبدي جزعاً، ومن يجزع يعاب عليه أنه ضعيف الشخصية عاجز عن مواجهة الشدائد. ولكن من الطبيعي أن نحزن عندما تحل بدارنا مصيبة كمصيبة الموت فتخطف منا شخصاً عزيزاً علينا فتخفيه وتواريه عن أنظارنا، فلا نراه ولا نسمع صوته. أحببتك يا أخي حباً عميقاً، وبادلتني حباً مثله كما كنت تحب جميع أبناء الأسرة. وكنت لا ترضى أن يظهر أي خلاف في الأسر،ة وكنت تسارع في إصلاحه. كنت رمزاً في التفاؤل وحب الحياة، وتكره التشاؤم وتحذّ.ر منه. أبديت ذلك واضحا أيام الاحتلال العراقي، عندما كنا أكثر من 40 شخصا نجتمع في بيتك كل يوم عصراً في أسبانيا قبل مغيب الشمس وبعد الغروب. تقدّم لنا الشاي والقهوة وجميع أنواع العصائر والحلويات. وتؤكد لنا أن الكويت ستعود لأهلها، وأهلها سيعودون إليها رغم أنف كل من يعارض.
أما أنا فقد كنت على نقيضك، مبالغا في التشاؤم، وقضيت بقية فترة الاحتلال في القاهرة في شقة مقابل شقتك الجميلة في ميدان المهندسين. وبعد التحرير دخلت علي ابنتك المحامية أريج، وكانت يومها طالبة في المرحلة الثانوية. وعندما رأتني قالت لي في كل تحدٍّ «عمي صدَّقت كلام والدي إننا سنعود إلى الكويت، والكويت ستعود إلينا»، تريد أن تذكرني بموقفي الضعيف فترة الاحتلال. زرعت فيها التفاؤل والشجاعة وحب الحياة.
سنفتقدك يا أخي وحبيبي، سنفتقد مجلسك الطيب، وديوانك الذي تفتحه كل ثلاثاء منذ أربعين عاماً. يلتقي فيه أصحابك ليلعبوا الورق والدامة والشطرنج. وخصصت مكاناً لمن يريد التحدث في السياسة والشأن العام، بذلت جهدا لفتح ناد للدامة لنشر هذه اللعبة، التي لعبها الآباء والأجداد، بين الشباب، وشجعت إقامة مسابقة في كل عام لهذه اللعبة. آمل أن يتحقق أملك. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، ومنح أهلك الصبر والسلوان.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com