• لماذا تغيّر خطاب «الإخوان» وأصبحوا يدعون إلى الحكمة والتعقّل والحفاظ على استقرار الدولة؟!
اختلف خطاب «الإخوان» في هذه الأيام عما كان عليه قبل ثلاثة أعوام. عندما كانوا يحكمون مصر وتونس واليمن، وأنقرة، ونفوذ واسع في الخرطوم وليبيا. عندما ظنوا أن دولة الخلافة التي كان يحلم بها البنا قد اقتربت، وأنهم سيصبحون أساتذة العالم وأسياده. عندئذ ظهروا على حقيقتهم وطبيعتهم الشريرة التي تربوا عليها، كانوا شغوفين بحب السلطة والمال واستخدام الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى أهدافهم. تآمروا على دول الخليج للاستيلاء عليها والاستفادة من ثرواتها ومواقعها في تأسيس دولة الخلافة. كانوا مدركين أن الدول التي سيطروا عليها تعاني من أزمات اقتصادية حادة، وأن السيطرة على دول الخليج هي المنقذ لمعالجة تلك الأزمات. فحرّضوا الخلايا «الإخوانية» الموجودة في الخليج على التحرك لإسقاط حكوماتها.
تحرّكت الخلايا «الإخوانية» في أغلب دول الخليج لتنفيذ أوامر التنظيم الدولي. لكن تمكّنت السعودية ودولة الإمارات من التصدي لذلك المخطط وإفشاله. أما في الكويت فتصوروا أنهم الجماعة الأقوى في الساحة السياسية، ومتغلغلون بين القبائل وصفوف الشباب. فنادوا بضرورة وجود حكومة منتخبة، زاعمين بفشل الحكومة المعينة، وأعلنوا أنهم سينزلون إلى الشارع لفرض تلك المطالب بالقوة، وبالفعل نزلوا إلى الشارع وسيّروا التظاهرات في المناطق السكنية. وكانوا يميزون بين خطيب «الإخوان» وخطيب آخر، فالخطيب الذي يدعو إلى الحكمة والتعقّل والحفاظ على الوطن من الفتن، يصفونه بالنفاق وممالأة الحكومة، أما خطيب «الإخوان» فهو الذي يحرّض على الشر والفتنة، لذلك هددوا أمن الكويت واستقرارها، حتى نجونا بأعجوبة من تلك المحنة.
اليوم، تغيّر خطاب «الإخوان» وأصبحوا يدعون إلى الحكمة والتعقل والحفاظ على استقرار الدولة وأمنها وطاعة ولي الأمر.. أسباب هذا التبدل المفاجئ في خطاب «الإخوان» واضحة، سقوط دولة المرشد الإخوانية في مصر، دولة المنشأ للجماعة على يد الجيش والشعب المصري، وتحوّل الإخوان بعد سقوطهم إلى جماعات إرهابية تقاتل الجيش والشرطة والشعب المصري وتحرق الجامعات ومؤسسات الدولة، حتى أصبحوا مكروهين لدى الشعب المصري، وتراجعت شعبيتهم في تونس بعد تقدم حزب نداء تونس الذي يرأسه الباجي قايد السبسي وهو حزب ليبرالي، وخسروا الانتخابات في ليبيا وتحولوا إلى جماعة إرهابية أسموا أنفسهم فجر ليبيا، تقاتل الحكومة والبرلمان المنتخب، وسقط حكمهم في اليمن، وتخلى عنهم البشير، يضاف إلى ذلك أن مجلس الوزراء كان بصدد تجديد رخصة مقر جمعيتهم والفروع التابعة لها. هذه أهم أسباب تبدل خطاب الإخوان، وتبدو فيها ملامح الانتهازية، فمن الخطورة التصالح مع جماعة تحمل بذور الشر، ولكن يبدو أن هناك نية للتصالح مع هذه الجماعة، لتكمل دورها الذي بينه أحد قيادييها منذ أيام «بأنها قامت بحفظ النشء من حركات التخريب التي عمّت المنطقة في الستينات»، أي أنها تصدت للمد القومي والتيار الوطني اللذين ربما كانا يرهبان الحكومة.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com