تم النشر في 2014/10/26
• لما شعر مبارك بجسامة الأخطار المحيطة بالدولة وعدم قدرته على مواجهتها، قرر التنحي.
من المحزن أن يعامل هذا الإنسان، الذي كان جزءا مهما من التاريخين المصري والعربي هذه المعاملة. ثلاث سنوات وهو رهن الاعتقال. يوضع أثناء المحاكمة في قفص الاتهام ويستمع إلى سيل من الشتائم والسيئ من القول. وأكدت الصور التي التقطت في ميدان التحرير أن من كان يطلق النار على المتظاهرين هم جماعة الإخوان الذين سيطروا على الميدان واعتلوا أسطح المباني المحيطة به وهم يحملون السلاح. كان هدفهم إلصاق التهم برجال الأمن لإثارة حقد الجماهير، ومن ثم يطالبون بإسقاط نظام مبارك.
ولما شعر مبارك بجسامة الأخطار المحيطة بالدولة، وعدم قدرته على مواجهتها، قرر التنحي وتسليم الدولة للقوات المسلحة.
بينت الأحداث أن أميركا وبعض الدول الغربية خططت لإشعال المنطقة بالفتن لإضعافها لكي لا يبقى في المنطقة دولة قوية سوى إسرائيل. عادت أميركا نظامه لرفضه مشروع بوش الابن لنشر قوة سلام عربية مصرية ـ سورية في العراق لتتمكن من الانسحاب خارج المدن ليقلل الخسائر الفادحة من الأرواح. كما رفض وضع أجهزة أمنية في سيناء لتستفيد منها إسرائيل، ورفض إعطاء الفلسطينيين أرضاً في سيناء لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين. غضبت أميركا على نظامه، وبدأت تخطط للإطاحة به. أخذت مجموعة من الشباب ودربتهم على استخدام أجهزة التواصل الاجتماعي والقدرة على الحشد. هذه الجماعة هي التي قادت التظاهرات لإسقاط نظام مبارك. أشاعوا في البداية أنه هرب ثروته، التي تقدر بـ70 مليار دولار، فأثاروا فقراء العشوائيات الذين ظنوا أن مبارك ونظامه الفاسد هو السبب وراء معاناتهم..
لا شك أن مبارك ارتكب كثيرا من الأخطاء، لكنه بشر والبشر معرّضون للأخطاء، أخطأ بوش وبلير بحربهما ضد العراق، مدعيين كذباً أن لديه سلاح دمار شامل. وسقط آلاف الضحايا نتيجة لتلك الحرب، كما أنهكت الاقتصاد الأميركي. ولكن الدول المتحضّرة يجب أن تتعلم التسامح والعفو عند المقدرة.
هذه الأخلاق التي تعلمناها من ديننا، ولنا في رسول الله قدوة حسنة الذي كان محبا للعفو.
على مصر أن تنظر إلى حرب 73 على أنها معركة مميزة وتكرم من ساهم فيها. خاض مبارك حربي 56 و67 بصفته طيارا مقاتلا حاملا روحه على كتفيه دفاعا عن أرض الوطن، وشارك في حرب الاستنزاف وكان أحد قادة حرب 73 بصفته قائدا للقوات الجوية التي كان لها دور فعال في تحقيق النصر. كان له دور كبير في إعادة بناء القوات الجوية بسرعة فائقة بعد أن استلمها، وهي مدمرة إثر هزيمة 67. وعلى الرغم مما في عهده من مساوئ إلا أنه كان فيه الكثير من المزايا. فقد كان الاقتصاد قويا والأمن مستتبا والسياحة مزدهرة، واحترم المرأة وشجعها على تولي المناصب القيادية وشجّع الإعلام الحر المعارض واحترم جميع الديانات ورجالها. فعسى أن ينصف التاريخ هذا الإنسان الذي أحب وطنه ومواطنيه ودافع عنهم بكل ما يملك. وكان يقول مهما كان عطاؤنا لمصر، فسيظل فضلها علينا جميعا، فهي الوطن والأهل والملاذ وأرض المحيا والممات. وكأنه يقول:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وقومي وإن جاروا عليّ كرام.
د. عبد المحسن حمادة