• عندما يأتي التواضع من شخص في مقام محمد البحر وثرائه، فسيكون مدعاة للإعجاب والتقدير.
«كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور». (آل عمران: 185)، «وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ* كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون». (الأنبياء: 34، 35).
أرى العمر كنزاً ناقصاً كل ليلة
وما تنقص الأيام والدهر ينفد.
سبحان من كتب على نفسه الخلود والبقاء، وكتب على مخلوقاته الزوال والفناء. وبالرغم من معرفتنا أن الموت أمر لا مفر منه، وحقيقة لا نستطيع تفاديها، ومع ذلك نحزن ونتألم إذا اختطف الموت شخصيات عزيزة علينا. هذه هي طبيعتنا البشرية التي خلقنا عليها، نفرح ونحزن ونتألم ونغضب وننسى. كان يوماً حزيناً على الكويت وشعبها عندما سمعنا بذلك النبأ الأليم، نبأ انتقالك من عالمنا إلى العالم الآخر.
لقد افتقدتك الكويت التي أحببتها وأحبتك، وساهمت في بنائها وتنميتها وتطويرها اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. بدأت العمل في بدايات شبابك ولم تتخل عنه إلا قبل أشهر، عندما منعك المرض الشديد من مزاولة العمل، مارست العمل أكثر من 75 عاماً، ولم تعجز أو تمل، تحب العمل وتكره الكسل، بارك الله في كل عمل تناولته يداك، وأشرفت عليه بفكرك وعقلك وتدبيرك، كنت تحسن اختيار الشخصيات التي تعتقد أنها قادرة على إنجاز المشاريع التي تتبناها، وتمنحها ثقتك وتوفر لها كل ما تحتاجه من وسائل وإمكانات، تساعدها على إنجاز تلك المشاريع وتنميتها، وأبعدتها عن الروتين والبيروقراطية اللذين يقتلان العمل الإداري ويساهمان في تخلفه.
لقد أشارت الصحف الكويتية في افتتاحياتها يوم وفاتك إلى أعمال الخير والبر الكثيرة التي قدّمتها للمحتاجين من أبناء بلدك وخارجه، وما شيدت في مجال العمل الخيري من مستشفيات ومساجد ومدارس وأوقاف ومبرات للإنفاق منها على المشاريع الخيرية داخل الكويت والدول العربية والإسلامية. وهذا دليل على حب الله فيك. فإذا أحب الله عبده حبب خلقه فيه، وبارك في أعماله، وحبب إليه عمل الخير، وصرفه عن العمل السيئ. «كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ» (يوسف: 24)، رأيته قبل عام في رمضان في ديوانهم العامر، أجلسني بجانبه، ولما قدمت له القهوة طلب ممن يقدم القهوة أن يقدمها إليّ قبله.
اعتذرت لأني لا أشرب الشاي ولا القهوة في الدواوين. فرد عليّ قائلاً أنا فضلتك على نفسي لا يجوز تردها. أخجلني تواضعه، التواضع صفة محمودة حثّ عليها الإسلام ونهى عن التكبر. «ما تواضع أحد لله إلا رفعه»، ولكن عندما يأتي التواضع من شخص في مقام محمد البحر وثرائه، فسيكون مدعاة للإعجاب والتقدير. رحمك الله يا أبا حمد، وأسكنك فسيح جناته، وتقبل منك أعمال الخير والبر التي قدمتها، ورزق الله الكويت شخصيات أمثالك، إنه سميع عليم.
د. عبدالمحسن حمادة