تم النشر في 2014/07/30
• كان يرتاد مجلسه كثير من الفقراء والمحتاجين، فيقدم لهم المساعدات من دون منّ، ولا يتكلم عن أعمال الخير التي عملها.
طوال كتاباتي في الصحافة أكثر من ثلاثين عاما لم أكتب سوى خمس مقالات في الرثاء. لذلك ليعذرني القراء، ويعذرني أحباب هذا الإنسان الفاضل إذا قصرت في تأبين فقيدنا الغالي، ولم أوفه حقه في ذكر صفاته الحميدة التي من النادر أن تتوافر في إنسان واحد.
تعرفت على المرحوم معرفة عابرة في مطلع الستينات، حيث كان يرافق والده المرحوم ثنيان، الذي كان يرقد في أحد المستشفيات الإنكليزية، وكان والدي صديقا لوالده ويزوره يوميا في المستشفى، وكنا نشاهد المرحوم صقر الذي يبدو أنه كان للتو متخرجا في إحدى الجامعات البريطانية، وكان يجيد اللغة الإنكليزية، ويترجم كلام الأطباء لوالده وكلام والده للأطباء. ثم تعرفت عليه معرفة حميمة في فترة الغزو في مصر. كنا نعيش في حزن على ما أصاب وطننا الكويت وشعبها من محنة، وكان حزينا مثلنا، ولكنه كان ذا عزيمة قوية وواثقا من النصر وهزيمة المعتدي. كان يطلع على الأخبار الدولية والإقليمية والتحركات التي تحاصر المعتدي، ويقوم بتحليلها ويقدمها لنا بطريقة سهلة ليطمئن الجميع بالنصر القريب، وكنا جميعا ننتظر رأيه ليدخل الفرح والطمأنينة إلى قلوبنا المتعبة.
وبعد التحرير دعاني لزيارة ديوانه فوجدته ديوانا عامرا بالأصدقاء والمحبين. كان يرحب بضيوفه ترحيبا حارا يشعر الجميع بأنه سعيد بوجودهم في ديوانه. كان يتفقد أصحابه ويسأل عن أسباب غيابهم، لا يريد أحدا منهم أن يتغيب عن مجلسه. يزور المريض ويواسي الحزين. كما كان يرتاد مجلسه كثير من الفقراء والمحتاجين فيقدم لهم المساعدات من دون منّ. كان لا يتكلم عن أعمال الخير التي عملها حتى عرفنا عن المساجد التي بناها والآبار التي حفرها والأيتام الذين كفلهم. كما ساهم وعائلته في بناء مستشفى ثنيان الغانم الفاخر لمعالجة المرضى.
كما كان صبورا يشكر الله في السراء والضراء حريصا على أداء الصلاة مع الجماعة. ذهبت إلى ديوانه لأعزيه بوفاة ولده عبدالله بعد انقضاء أيام العزاء، لأني كنت خارج الكويت. وكنت لا أعرف ماذا أقول له لأني أعرف مدى حبه لعبدالله، الذي كان يحبه أكثر من نفسه، والذي توفي فجأة بعد زواجه بفترة قصيرة. لكني وجدته صابرا يشكر الله على ما أعطى وأخذ. ويقول كلنا في هذه الدنيا أمانة لله، والله يأخذ أمانته وقت ما شاء، ولا نجزع لإرادة الله. كما اتصلت به لأعزيه بوفاة ابنته، وكنت خارج الكويت، ورد علي أحد الأشخاص وطلبت منه أن يبلغ عزائي لأبي عبدالله، لأني خارج الكويت، ولكن هذا الشخص أخبرني أن أبا عبدالله يريد أن يكلمك. فرد علي بالعبارات نفسها التي قالها في وفاة ابنه عبدالله. رحمك الله يا أبا عبدالله لقد كنت صبورا شجاعا في بداية الصدمة بالرغم من حبك العميق لمن فقدت.
لعل هذه الصفات الحميدة في فقيدنا الغالي هي التي دفعت أصحابه وأحبابه للذهاب إلى ديوانه بعد سماعهم بالخبر الأليم، وبدؤوا يتذكرونه ويبكون بصوت عال، وينتحبون كالأطفال. وأعرف منهم شخصيات قوية فقدوا أعزاء لهم ولم يذرفوا دمعة واحدة، ولكنهم بكوا أبا عبدالله.
د. عبد المحسن حمادة