يجب أن تكون الدولة فوق الجميع، وان يخضع لأحكامها الحاكم والمحكوم.
كنّا نتوقع من شيوخ القضاة الموقرين الذين اكتسبوا الخبرة في مجال القضاء والعدالة، أن يصدر عنهم مثل هذا الحكم الرصين الداعم لأمن الكويت واستقرارها، إذ كانا مهددين بسبب رعونة وغرور من يطلقون على أنفسهم - تجاوزا - الأغلبية، عندما أعلنوا مرات أنهم لن يحترموا حكم «الدستورية» إذا حصن مرسوم الضرورة، وسيستمرون في حراكهم المشؤوم حتى إسقاطه. علينا أن نعلم أن حكم القضاء ليس اختياريا، بل هو حكم إجباري، ومن يتحدَّ أحكام السلطة القضائية فإنما هو يتحدّى الدولة ويريد هدم مؤسساتها وجرها للفتنة.
يجب أن تكون الدولة فوق الجميع، وأن يخضع لأحكامها الحاكم والمحكوم. وينبغي لأشخاص ألا يضعوا أنفسهم فوق الدولة، أو أن يصور لهم خيالهم المريض أن بإمكانهم إرهاب القضاء وإجباره ليصدر أحكاما يميل فيها إلى الهوى ويغلبه على الحق. علينا أن نعلم أن القاضي الذي لا يراعي في حكمه ربه وضميره والعدالة ليس قاضياً بل مجرماً خاضعاً للأهواء. كان حريا بهم أن يقتدوا بموقف صاحب السمو، فقد كان متواضعا، وأعلن أنه سيحترم حكم القضاء وسينفذه. يجب أن ينحني الجميع أمام حكم القضاء، كي لا تقع الدولة في خضم الفوضى، أما من يصفون أنفسهم بالأغلبية فما زالو مكابرين.. اجتمعوا بعد الحكم فوصفه بعضهم بأنه أسوأ حكم، وانه حكم سياسي وعبثي ونسف للدستور. وقرأت لأحد منظريهم يقول ان المعارضة دمرت نفسها وأصبحت ضعيفة، لا يحضر الندوات التي تدعو إليها اكثر من 100 أو 150 فردا في أحسن الأحوال. إذا كان هذا صحيحا فهذا شاهد من أهلها يشهد على ضعفها وتخلي الجماهير عنها، بل الأسوأ من ذلك الخلافات التي دبت بين أعضائها وأدت إلى انسحاب بعضهم.
لجأ صاحب السمو إلى مرسوم الضرورة لتعديل العوار القائم في قانون الانتخابات، لأن الكويت كانت تمر بمرحلة شديدة الخطورة لم تشهدها طوال تاريخها. وكان الخلل القائم في قانون الانتخابات الذي يعطي الناخب الحق في انتخاب 4 من المرشحين السبب الرئيسي في إشعال الفتنة، حيث استغل البعض ذلك الخلل وأقام تحالفات مريبة تمكن من خلالها من احتكار الساحة الانتخابية وأصبحت عودتهم إلى المجلس مضمونة، وحرموا كثيرا من الكفاءات والأقليات من المشاركة في العملية السياسية، ومن ثم حرموا الدولة من الاستماع إلى آراء غالبية من الشعب، وأصيبت هذه الكتلة بالغرور وبدأوا يخاطبون الوزراء والمسؤولين بلغة متدنية ومتعالية، وهددوا من لا يستجيب لمطالبهم الخاطئة بالاستجواب وتعسفوا في استخدام الأدوات الدستورية. وحذر صاحب السمو من تلك الظواهر السلبية التي بدأت تشوه نظامنا الديموقراطي، ولكن من دون جدوى، لأن ضمان نجاحهم في الانتخابات جعلهم يصمون آذانهم عن كل نصيحة.
لجأ صاحب السمو الى مرسوم الضرورة لحماية الشعب والوطن من تلك الأخطار، وأيدته غالبية الشعب، حتى بعض القبائل التي انخدعت بحيل «الإخوان» تراجعت ورأت أن القبول بحكومة منتخبة يعني تسليم الدولة لــ «الإخوان». ولما صدر حكم المحكمة الدستورية أيده غالبية الشعب، وبقي الإخوان يتزعمون المعارضة والمخدوعين بهم.. شكراً لشيوخ القضاء الذين أنقذوا الكويت من الفتنة، وعلى الحكومة بعد هذا الانتصار أن تحكم بالعدل وتحافظ على ثروة الأجيال القادمة وتحمي الدولة من المفسدين والأشرار المتربصين بها.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com