• قضية إسقاط القروض قد توقعنا في مخالفة دستورية، تتمثل في عدم المساواة بين المواطنين، وإهمالنا لقضايا أهم بكثير.
إن إصرار المجلس على معالجة قضية إسقاط القروض أو فوائدها بالأسلوب نفسه الذي تبنته مجالس سابقة، والذي عارضته الحكومات السابقة وبينت عيوبه وآثاره السلبية، وأيدها كثير من خبراء الاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية ورجال الدين والأخلاق والتربية، اعتبروه حلا سياسيا، ويتعارض مع مبدأ العدالة بين المواطنين. إن المطالبة بإسقاط القروض وتحميل الدولة مسؤولية سدادها عن المقترضين فيه ظلم في حق غالبية الشعب الكويتي، الذين لم يقترضوا، وظلم في حق الأجيال القادمة، بل لا توجد فيه عدالة حتى بين المقترضين أنفسهم، إذ تمثل نسبة المقترضين %5 من إجمالي المواطنين، كما أن نسبة المتعثرين من المقترضين لا تصل إلى %2 منهم، وذلك كما بينته الغرفة في بيانها، علاوة على آثاره السلبية على الاقتصاد والأخلاق، لذا فإن تنفيذ هذا المقترح قد يوقعنا في مخالفة دستورية تتمثل في عدم المساواة بين أبناء الوطن الواحد، لذا لا يوجد في العالم مثيل لهذا المقترح السيئ. يتصور من يدافع عن هذا المشروع أنه سيجني من ورائه مكاسب شعبية ستساعد في إعادة انتخابه، لذلك لا مانع لديه من إهدار المال العام، الذي أقسم أن يحافظ عليه لتحقيق مكاسب شخصية.
إن الاستمرار في مناقشة هذا الملف طوال تلك السنوات بهذه الصورة، دليل على سطحية وسذاجة تفكيرنا في تناول قضايا المجتمع ومعالجة مشاكله، وعجزنا عن تطوير نظامنا الديموقراطي وتخليصه من عيوبه، عجزنا أن نأتي ببرلمان يقدر أعضاؤه مسؤولياتهم تجاه الوطن الذي يعاني من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة، وبينت الدراسات أن السياسة المالية المتبعة، والتي أدت الى تضخم الإنفاق بشكل يفوق إمكانات الدولة، من أهم أسباب الأزمة المالية التي ستواجه الدولة في المستقبل القريب، وحذّر الخبراء من أن الاستمرار في تلك السياسات سيؤدي الى إفلاس الدولة، ولمعالجة هذا الاختلاف الاقتصادي شكّل صاحب السمو قبل عامين لجنة استشارية للإصلاح الاقتصادي قدّمت مقترحات جيدة، ولكننا من المؤسف منذ ذلك التاريخ نسير بعكس تلك المقترحات.
من المخجل ان نسمع سفير كوريا الجنوبية لدينا ينبهنا بأن دولة الكويت ستستنزف مدخراتها خلال سنوات قليلة إذا استمرت في معدل الإنفاق الحالي، ومن المعيب أن نستمع من المسؤولين الصينيين في الصين يقولون للوزيرة د. رولا دشتي، التي دعتهم إلى المشاركة في خطة التنمية الكويتية، يقولون لها بكل صراحة إن الكويت لديها معوقات تعرقل التنمية من أهمها الروتين الحكومي والتردد في اتخاذ القرار، مشاكلنا واضحة يعرفها القاصي والداني، والحكومة والمجلس يناقشان إسقاط القروض سبع سنوات ويبتعدان عن مشاكل الكويت الحقيقية، وبعد الموافقة على حل أزمة القروض صرّح بعض الأعضاء بأن لهم جولات أخرى لتقديم مشاريع قوانين لسحب مزيد من الثروة.. فمتى يرتفع وعي الإنسان الكويتي ليحمي ثرواته الوطنية وثروات الأجيال من تبذير المجلس والحكومة؟
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com