• في وفاة نسيبي شعرت كأني لم احزن مثل هذا الحزن في حياتي، رغم الحقائق المألوفة بأن الموت حق.. ولم اكن اعرف ما اكنه لك من حب يا أبا بشار.
«تَبَارَكَ الَّذ.ي ب.يَد.ه. الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلّ. شَيْءٍ قَد.يرٌ الَّذ.ي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ل.يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَز.يزُ الْغَفُورُ» (الملك 1 - 2). تعاظم الله وتعالى على سائر الموجودات، فهو المالك لها والمتصرف بشؤونها والمدبر لأمرها. ان الله الذي خلق الحياة لنفرح بما فيها من خيرات ونعم أنعمها علينا، هو الذي قدر على عباده الفناء وحدد لهم أجلا لا يستطيع أحد أن يتجاوزه ولا يعترض عليه.. أمره نافذ لا راد لأمره. لا يسأل عما يفعل ولا يستأذن ولا يستشير.
وبالرغم من أن هذه الحقائق أصبحت مألوفة لنا جميعا، فعلينا أن نؤمن ونسلم بقضاء الله وقدره ولا نجزع اذا أصابتنا المصائب. ومع ذلك فنحن بشر لا نستطيع أن نتصدى لمشاعر الحزن التي تجتاح قلوبنا وتغمرها، وتكاد أن تعصف بها، وذلك بعد أن تحل بنا المصائب وخاصة مصيبة الموت، عندما يخطف الموت منا حبيبا ويغيبه عنا ويحرمنا من رؤياه والاستماع الى حديثه. مشاعر الحزن هذه التي ملأت قلبي وأحاطت به من كل اتجاه، وأصبح من الصعوبة بمكان الهروب منها أو التغلب عليها أو وصفها. فقلمي أعجز وأضعف من أن ينقل بدقة وعمق تلك الأحاسيس. شعرت بهذه المشاعر عندما غيب الموت منذ أيام حبيبي ونسيبي عبدالعزيز علي الغنام، زوج شقيقتي الغالية، (أبو بشار) اللواء الركن المتقاعد وآمر القوات الجوية السابق في الجيش الكويتي.
يقولون ان الحزن يبدأ كبيرا ثم يصغر ويتلاشى. ولكن حزني عليك يا أبا بشار لا أظن أنه سيضعف. أشعر كأني لم أحزن مثل هذا الحزن في حياتي. بل انني لم أعرف أني أحبك كل هذا الحب حتى افتقدناك. عرفتك منذ 48 عاما عندما تقدمتَ طالبا الزواج بشقيقتي، فمنذ ذلك التاريخ حتى انتقلت الى جوار ربك لم أسمع منك كلمة واحدة تؤذي أحدا. رزقك الله عفة اللسان وصفاء النية وطهارة القلب ورجاحة العقل. يحبك كل من يعاشرك ويجالسك، لا تحقد على أحد ولا تتدخل فيما لا يعنيك، وتحسن الاستماع الى من يتحدث معك ولا تحتد مع من يختلف معك في الرأي. كنت خير الجليس وخير الصاحب والحبيب وخير الزوج وخير الأب. لم تبخل على أسرتك بمال، شجعتهم على الاستمتاع بملذات الحياة الطيبة من دون اسراف، من سفر ومسكن وملابس واعتنيت بتربيتهم وصحتهم وحميتهم من كل مكروه. لذلك بكوا عليك بكاء مرا لما رحلت عنهم، تذكروا السنوات الجميلة التي عاشوها معك ووفرت لهم كل أسباب السعادة. شعروا بالضياع وأن الحائط الذي يستندون اليه عند الحاجة قد اختفى. فطلبوا من الله أن يتغمدك في رحمته الواسعة ويجزيك خير الجزاء لما قدمت لهم من عطاء وتضحيات كبيرة لاسعادهم.
كانت تربيتك العسكرية التي تلقيتها في بداية شبابك ومارستها طوال حياتك العملية، ثم التحاقك بكليات الأركان الأميركية والأوروبية للاطلاع على كل جديد في المجال العسكري والاستفادة منه لتطوير القوات المسلحة الكويتية. كان لهذه التربية وما تمتلك من صفات طبيعية طيبة تأثير واضح على شخصيتك وتصرفاتك وسلوكك. فقد اكتسبت الكثير من الصفات الحميدة، كحب الوطن وقوة الشخصية والصبر. اللهم ارحم حبيبنا الغالي وارزق أهله الصبر انك أرحم الراحمين.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com