فرحنا بالمجلس الجديد، الذي جاء إثر معالجة الخلل في قانون الانتخابات القديم. لأن هناك من استغل ذلك الخلل ليبني تحالفات مريبة تمكن من خلالها من احتكار الساحة السياسية. ولما أصبحوا أغلبية برلمانية تحولوا إلى أغلبية استبدادية تسعى لتهميش الآخر، وقدموا مقترحات لتعديل مواد الدستور الذي اتفق عليه الكويتيون ليسيطروا على القضاء ورئاسة الوزراء وجميع مفاصل الدولة، متجاهلين أهم مبادئ الديموقراطية التي ترى أن الدساتير لا تصاغ بمنطق الأغلبية بل بالتوافق. علما بأن المقترحات المقدمة من مجلس 2012 المبطل متطابقة مع المقترحات المقدمة من مجلس الشعب المصري المسيطر عليه من تيار الإسلام السياسي قبل إبطاله. مما يؤكد أن المحرك واحد، وهو التنظيم السري للإخوان. وما أن فرحنا بمجلس الصوت الواحد المعمول به في جميع دول العالم، واعتقدنا أنّا تخلصنا من فتنة الإخوان إذ نفاجأ بالمطالب الشعبوية السيئة تبعث من جديد كالمطالبة بإهدار الأموال العامة أو التشجيع على التجنيس بصورة غير مدروسة.
إذاً، هذا المجلس ليس أول مجلس يقدم فيه الأعضاء مقترحات مالية غير مدروسة ضارة بمستقبل الدولة المالي. سبق أن رفضتها حكومات سابقة لتعارضها مع الدين ومنطق العلم والأخلاق والعدالة. كان المفروض على أعضاء المجلس دراسة الأسباب العلمية التي استندت اليها الحكومة في رفضها تلك المقترحات قبل أن يتبنوها ويهددوا وزير المالية في الاستجواب إذا لم يحقق لهم مطالبهم. ألا ليت الأعضاء يعرفون أن وزير المالية، الذي يهددون باستجوابه، من أكثر وزراء المالية كفاءة وخلقا وإخلاصا للعمل والدولة. وعندما يرفض تلبية تلك المطالب لا يقصد الاستخفاف بمشاعر الأعضاء بل يقصد الحرص على المحافظة على الدستور، الذي أقسم وأقسمتم على المحافظة عليه. وتعد المحافظة على الأموال العامة وعدم إهدارها على مشاريع ارتجالية غير مدروسة، من مستلزمات الحفاظ على الدستور. لذلك يجب الحفاظ على تلك الأموال وعدم الإنفاق منها إلا على مشاريع إنمائية توضع في إطار خطة مدروسة توضح فيها حاجات الدولة الى تلك المشاريع وقدرتها على تحقيقها.
فمثلا المقترح المقدم من بعض الأعضاء والمطالب بإسقاط قروض المواطنين، قُدم في أكثر من مجلس وتم رفضه لأسباب وجيهة. فمن العبث تقديمه مرة أخرى لأن أسباب رفضه مازالت قائمة، فهو مقترح غير أخلاقي وغير عادل. لأن المواطنين المقترضين أقل عددا من الذين لم يقترضوا، كما أن المقترضين تتفاوت ديونهم ما بين 70 ألف دينار وألف دينار. كما يجب أن يتربى المواطن ويتعود على الالتزام بالوفاء بتعهداته. لذلك لا نجد دولة تحترم ذاتها وشعبها تنفق من المال العام لسداد قروض مواطن اقترض لشراء سيارة أو لأي سبب من الأسباب، ولا نجد برلمانا في العالم يقدم مثل هذا الاقتراح. كما أنشأت الدولة صندوقا لمساعدة المتعثرين الذين يجدون صعوبة في سداد الدين. واعتقد أن هذا كاف في معالجة هذه القضية.
أما إذا أصر الأعضاء على تحقيق تلك المطالب، فهذا نوع من التعسف. وهذا دليل على أن حظنا في الديموقراطية سيئ ومتعثر. وما زلنا عاجزين عن فهم الديموقراطية الفهم الجيد. نتمنى أن يفهم الأعضاء والحكومة والشعب أن الأموال العامة ملك للشعب، والمقصود بالشعب، الشعب الموجود والأجيال القادمة. لذلك يجب الحفاظ عليها وعدم إهدارها وتبذيرها. وفي هذا الصدد يجب أن نشكر كل من اهتم بمستقبل الأجيال القادمة ونادى ببناء صناديق لتلك الأجيال لتحيا حياة كريمة، حتى أصبحت تلك الصناديق اليوم ثاني الصناديق في العالم. نتمنى أن نكون أول دولة في العالم.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com