الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
مستقبل التعليم في مصر | رجوع
مستقبل التعليم في مصر
كتب عبدالمحسن حمادة :
اهتمت مصر بالثقافة والتعليم منذ العصور القديمة، وكانت من أوائل الدول العربية التي شهدت نهضة ثقافية وعلمية في العصر الحديث، وذلك نتيجة احتكاكها بالثقافة الأوروبية الحديثة أثناء الحملة الفرنسية. ولما حكم محمد علي 1848/1805، أسس مدارس حديثة شبيهة بالقائمة في أوروبا وبعث بعض أبناء مصر الأذكياء للتعلم في أوروبا ليعودوا للعمل في مؤسسات الدولة الحديثة. وبعد تولي حفيده إسماعيل 1879/1862، الذي تلقى تعليمه في فيينا، وتنقل في معظم العواصم الأوروبية، وكان يتطلع لأن يجعل مصر قطعة من أوروبا، أحدث نهضة عمرانية وثقافية وسياسية، فاهتم بتنمية الثقافة والإبداع، وبرز الاهتمام بالفن من خلال الاهتمام بالثقافة، على أساس أن الفن جزء مهم من الثقافة. وحظي فنانو مصر بتقدير وإعجاب الشعب المصري والعربي للدور المميز الذي يقومون به في إدخال البهجة في قلوب البشر، وكان هناك نقد يوجه للفن المصري لتطويره، وبالفعل تقدم الفن بفضل ذلك النقد العلمي وجهد الفنانين لتطوير أدائهم، وأصبح يحاكي الواقع ويعالج قضاياه السياسية والاجتماعية وقضايا الفساد. وبعد استيلاء تيار الإسلام السياسي على السلطة وسيطرتهم على وسائل الإعلام، ظهر أنصارهم على الشاشات بثقافة جديدة تتميز بجبين مقطب لا يعرف الابتسامة ولا الضحك، ينتقدون من يختلف معهم بضراوة. هاجموا الفن والفنانين. ووصفوهم بأوصاف بشعة، وأنهم لم يقدموا للمجتمع إلا الخلاعة، كما حدث للفنانين إلهام شاهين وعادل إمام.
أحدث هذا الموقف من الفن ردة فعل غاضبة في الشارع المصري، خصوصاً تيار المثقفين. ورأوا في ذلك بداية مروعة ضد الإبداع وضد تطور حضاري استمر أكثر من قرنين، وترجع أهمية مصر إلى أساس أنها من أهم قلاع النور والإبداع في المنطقة، وسيؤدي سقوط الإبداع فيها إلى سقوط المنطقة في الظلام. لذا، انتفض الشعب ضد تلك الحملة الشعواء التي تتعرض لها الثقافة ولكرامة الفن وحماية للإبداع، مما اضطر الرئيس مرسي إلى أن يجتمع بمجموعة من الفنانين، ويتعهد بدعمهم ضد المتطرفين. خرج الكثيرون من الاجتماع راضين، ولكن قلة قليلة ظلت متشائمة، لأنهم يعرفون طبيعة الإخوان المتقلبة، وما قاله الرئيس تهدئة للشارع فقط. ومن ثم سينفذون ما يريدون وما يحقق مصالحهم، ولا ضرر أن تتناقض أفعالهم مع أقوالهم، فهم لا يحترمون مشاعر الآخر. فقد تحدث الرئيس طويلاً في ذلك الاجتماع عن أنه لا إقصاء ولا استبعاد لأحد. ولكن ما حدث في الواقع عند تشكيل مجلس حقوق الإنسان والمجلس الأعلى للصحافة وفي اختيار رؤساء تحرير الصحف والمجلات القومية ورؤساء مجالس الإدارات والمؤسسات القومية، تم اختيار المقربين من الإخوان وإقصاء رموز اليسار ومن لا يرضى عنهم الإخوان.
أما بالنسبة للسيطرة على التعليم، فواضح أن الإخوان أصبح أحد أهدافهم المهمة السيطرة على التعليم وتوجيهه لخدمة فكرهم. يقول خيرت الشاطر نائب المرشد، أثناء مشاركته في مؤتمر «الإسلاميون والثورات العربية» في الدوحة، إن مشروع النهضة يتمثل في تحقيق الإرادة السياسية ووضع الرؤية وصناعة شعب مؤهل ومتحمس، ونظام التعليم في مصر سمك لبن تمر هندي، فلا توجد في مصر منظومة للتعليم، بل يتم بشكل عشوائي وغير مرتبط ببرامج محددة لتنمية الشعب المصري، أي أن مشروع النهضة يحتاج إلى شعب واع، والشعب المصري غير واع في نظر الإخوان، فلا بد من السيطرة على التعليم لتوعيته وتأهيله. وفي حوار تلفزيوني، قال ممثل الإخوان إن لديهم مشروعاً لتطوير المنظومة التعليمية ليتواءم التعليم مع مشروع النهضة، وردت مندوبة نقابة المعلمين بأنها ترفض تدخل السياسيين في شأن التعليم. وأكد خبير تربوي في البرنامج نفسه خطورة تدخل السياسيين في التعليم، إذ سيؤدي ذلك إلى انحدار مستوى الفلسفة التربوية والمناهج، ليصل إلى مستوى الدعاية الانتخابية للأحزاب المتنافسة.
ولكن الإخوان ماضون في طريقهم، فكما سيطروا على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وعلى وسائل الإعلام ويحاولون السيطرة على الجيش والقضاء، سيحاولون السيطرة على التعليم، ومن ثم سيتحول التعليم من الإعداد للمواطنة في مجتمع متنوع الثقافات والاتجاهات إلى إعداد مواطن يتقبل أخونة الدولة. وفي هذا تآمر على الوطن والمواطن، لأنه يسعى إلى فرض فكر سطحي لا يؤمن به إلا فئة قليلة، والتعليم يجب أن يكون أسمى وأرقى من ذلك، لأنه يجب أن يسع الجميع.


9/24/2012
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com