من الصعوبة معرفة حقيقة القرارات التي اتخذها الرئيس مرسي من إطاحة بالمجلس العسكري وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل وتعيين نائب له وقيادات جديدة في الجيش موالية له، والسعي لـ «إخونة» الصحافة القومية والخاصة وسائر وسائل الإعلام المصرية. هل تم ذلك بالاتفاق مع القوات المسلحة وبتأييد أميركي، خصوصاً أن تلك القرارات اتخذت بعد زيارة كلينتون وبانيتا وزير الدفاع للقاهرة والتقائهما الرئيس والمجلس العسكري، وصرحا بعد اللقاءين بأنهما يدعمان الانتقال الكامل للسلطة من المجلس للرئيس؟ أم أن تلك القرارات جاءت تلبية لمطالب جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس ومن قياداتها؟! لقد طالبت الجماعة الرئيس عبر مقالات في صحافتهم بأن «يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به». إذا كان هذا ما أعلنوه صراحة في الصحافة، فمن المؤكد أن الخافي أعظم، ونعني به ما يردده مستشارو «الإخوان» المحيطون بالرئيس والذين اكتظ بهم قصر الرئاسة، فقد ألحوا عليه وأقنعوه باتخاذ تلك الإجراءات لتمكين «الإخوان» من ابتلاع الدولة المصرية، يبدو أن هناك مؤشرات تدل على وجود اتصال وتنسيق بين «الإخوان» وأميركا.
سرعان ما كشف الإخوان عن فرحتهم بالانتصار على الإعلان الدستوري المكمل وكانوا يصفونه بـ «المكبل»، لأنه يحرمهم من الاستيلاء على الدولة. وحرّضوا الرئيس على إلغائه لتدين لهم السلطة بكاملها، ووصفوا تلك القرارات بالشجاعة، وأنها أحبطت مخططات الثورة المضادة وأسقطت حكم العسكر. ودعوا المواطنين إلى الخروج للميادين لأداء صلاة الشكر، ولتأييد تلك القرارات. هذا سلوك سيئ ومعيب لم يشهده المصريون من قبل، ولكنهم سيشهدون مثل هذا وأسوأ في ظل حكم «الإخوان»، لأنهم لا يحترمون مشاعر الآخرين، ولا آراءهم، وشبهوا قرارات الرئيس بفتح مكة على يد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يوجد مسلم يرضى بهذا التشبيه، فالرسول في مكانة عالية ومنزه عن العيوب، وما قام به، فبإذن من الله، ولإعلاء دين الله والأمة، أما جماعة الإخوان، فهي جماعة سياسية انتهازية تسعى إلى تحقيق مكاسب ومصالح شخصية. ولكنهم قاموا بتلك الاحتفالات والحشد المبالغ فيه لإسباغ قدسية على تلك القرارات، ومنع أي نقد يوجه إليها، فمن ينتقدها، فكأنه ينتقد أحكام الدين، خصوصاً أن الرئيس حرص طوال شهر رمضان على أن يؤدي صلاة التراويح في مساجد مصر، وأن يوجه خطابات للشعب من منابرها، وبذلك يؤكد أنه ينتمي إلى جماعة دينية إسلامية، وليس رئيساً لدولة مدنية. فهم يعتقدون أنهم جماعة المسلمين وليسوا جماعة من المسلمين، لذا فهم يكفّرون من يختلف معهم في الرأي. ويطلبون من المصريين أن يشكروا الله على منحهم الرئيس المؤمن لإعطائه حصانة إلهية!
ومن هذا المنطلق، فإنهم يكفّرون من يطالب بالقيام بتظاهرات 8/24 التي تطالب بسقوط حكم الإخوان. فيصفهم خطباؤهم بالخوارج ويطالبون بمقاتلتهم، قائلين: «قاتلوهم، فقتلاكم بالجنة وقتلاهم بالنار»، ويسخر كتابهم ممن يطالب بتلك التظاهرات، قائلين عنهم إنهم قرود أبوحامض أو أبوفاسد، سخرية من د. محمد أبوحامد عضو مجلس الشعب السابق والمطالب بإسقاط حكم الإخوان. ويقولون عنهم إنهم موتى، والموتى مكانهم الثلاجة. ويصفونهم بالصراصير التي تريد أن تتحول إلى فيلة. ويقولون إنهم مرجفون، والمرجفون وصف قرآني لبعض اليهود الذين يريدون إشاعة الفوضى والبلبلة في المجتمع الإسلامي لزعزعته. هكذا يتعامل «الإخوان» مع المعارضة باحتقار وازدراء. وسيطروا على الإعلام من خلال تعيين وزير إعلامي من «الإخوان» الذي اغتال الحريات خلال فترة تقل عن شهر من إمساكهم بالسلطة. أغلق قناة الفراعين وصادر صحيفة الدستور بحكم إداري، وعين رؤساء تحرير موالين لـ «الإخوان» ومنع نشر مقالات لكبار الكتاب وحذف العديد من الأخبار والتحقيقات التي لا تعجب «الإخوان». وفي مقابلة مع المرشد محمد بديع، قال له المذيع: هذا زمن الإخوان، فرد قائلاً: إن زمن الإخوان لم يأت بعد، لأن زمن الإخوان في رأيه عندما يكون السفراء والمحافظون والقضاة جميعاً من الإخوان.
إن مصر أهم دولة عربية قد تتعرض لأخطار من خلال هيمنة الإخوان، ولن يجدي ما يردده الفقهاء الدستوريون من آراء تفيد بأن قرارات مرسي تمثل انقلاباً على الشرعية، ومخالفة لأبسط القواعد القانونية. لأنه يعتمد على حركة سياسية تتشكل من مليون كادر ولها ذراع عسكرية «ميليشياوية» تقدر بـ 200 ألف قد يتسللون إلى القوات المسلحة والداخلية للسيطرة على الجيش وليغيروا عقيدته الوطنية.
د. عبدالمحسن حمادة