بعد مرور 17 شهراً على انطلاق الثورة السورية، ما زال رأس النظام يصر على إنكار وجود ثورة ضد نظامه. ويدَّعي أن الدولة بخير ويستهزئ بالمحتجين على نظامه ويصفهم بأنهم قلة تقوم بأعمال خارجة على القانون لا وزن لهم، وأن الأغلبية من أبناء الشعب تحبه وتؤيده. فاقد الإحساس لا يهمه أعداد ضحايا إجرامه من القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين والدمار الذي ألحقه بالمدن والقرى السورية. ما زال يدَّعي أن لديه قوة وأساليب لم يستخدمها. ما زال مطمئناً بأن حلفاءه الروس والصين وإيران وحزب الله والطائفيين في العراق لن يتخلوا عنه، ولن يبدلوا مواقفهم منه، فارتباطهم معه ارتباط مصالح وأيديولوجي. وأن الغرب وأميركا مترددان وغير راغبين في تدخل عسكري رادع لحماية الشعب السوري من بطش نظامه.
لقد أصبح رئيس النظام المأزوم في حيرة من أمره، فقد أدرك أن الخيار الأمني لم يعد يجدي نفعاً لوقف الانتفاضة، ومن الصعوبة أن يتراجع إلى الوراء، ولم يجد أحداً يصدق مزاعمه بأنه يحارب عصابات مسلحة، خصوصاً بعد انشقاق الآلاف من الجيش السوري ومنهم مقربون من النظام وانضمامهم إلى الثوار وفضحهم أمره، وأعلنوا أن نظامه هو العصابة التي تقتل الشعب السوري. كما فشل في استغلال التفجيرات التي دبرها في المدن السورية ليتهم المقاومة والدول التي تقف ضد قمعه للشعب السوري بالإرهاب. كما فشل في تصدير الأزمة إلى الخارج سواء إلى لبنان أو تركيا. كما فشل في وعوده بأنه سيحقق الإصلاح الذي ظل يروج له بعد أن شكل تلك الحكومة الهزيلة ومجلس بصام أسوأ من الحكومة والمجلس السابقين.
بعد تفاقم الأزمة السورية وتشعبها وتعدد المؤتمرات الدولية التي تبحث عن حل لها. وبعد أن فشل النظام في إقناع نفسه وحلفائه بالعبارات التي يرددها، بأن الأزمة قد انتهت بلا رجعة وأن سوريا اجتازت أزمتها وأصبح الحراك الشعبي وراءنا ولم يبق أمامنا سوى الإصلاح. ففي خطابه الذي ألقاه في افتتاح مجلس الشعب كان يريد أن يظهر بمظهر المنتصر. وبيّن أنه يسعى إلى تحقيق مصلحة المواطن ويسترشد برأيه ويتعلم من الشعب في مواجهة المشكلات. مع علمه أن الشعب السوري والمواطن قالا كلمتهما فيه أنهما مصران على إسقاط نظامه. وفي لقائه قبل أيام مع محطة ألمانية، أجاب عن سؤال إذا كان يخاف من المصير الذي واجهه الرئيس مبارك بقوله: لكي يخاف المرء عليه أن يقارن ويسأل هل هناك شيء مشترك؟ الوضع مختلف بينه وبين مبارك. فهو لا يشعر بالخوف بل يشعر بالشفقة.
يتظاهر بالانتصار بينما يثبت الواقع على الأرض أن نظامه بدأ بالتآكل، لم تعد الثورة مجرد تظاهرات، انتقلت إلى طور جديد، استطاع الثوار أن يصدوا هجوم قوات النظام وأن يسيطروا على مساحات من الأرض قد تصل إلى نصف الدولة، بفضل الجيش الحر الذي تشكل من الجنود والضباط المنشقين من جيش النظام بعد أن أدركوا أن هدف جيش الأسد إبادة الشعب وتدمير الدولة، فهبوا للدفاع عن الأمة، وكبَّدوا قواته خسائر فادحة. واتسعت حركة المقاومة والتمرد عليه. واضطر أن ينقل قواته من مكان إلى آخر، وعندما تصل إلى المكان الذي تريد أن تهدّ.ئه تثور ضده مناطق أخرى. إن سر تصاعد الثورة السورية بالرغم من بطش النظام وعدم جدية المواقف العربية والدولية، ومما يؤكد تخاذل المجتمع الدولي تصرفات عنان الأخيرة، تغيبه عن مؤتمر أصدقاء سوريا وإصراره على دعوة إيران إلى طاولة التفاوض وتأكيده على أهمية دورها المحوري في الأزمة السورية، وهجومه على دول الخليج ودفاعه عن الموقف الروسي. ثم ذهابه يستجدي حلاً من قاتل الشعب السوري وحلفائه والمحركين له في طهران وبغداد. ومع ذلك يصرّ الشعب السوري على المضي في ثورته لشعورهم أن التوقف والتراجع سيمكنان من التحكم في مصيرهم ومصير أجيالهم القادمة، إن شعباً بهذه الشجاعة لن يهزم، وان «خطر إجهاض ثورته قد ولى بإذن الله».
د.عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotml.com