من الضروري التمييز بين الإسلام كدين نحبه ونلتزم بالتقيد بما جاء به من عقائد وأخلاق، ونتعهد بنقلها إلى الأجيال القادمة، وبين تخوفنا من تيارات سياسية تخلط الدين بالسياسة، وتتخذه غطاء لتحقيق مصالحها. ولمعرفة حقيقة موقف الإخوان من الدولة المدنية، تقول الكاتبة كريمة كمال في «المصري اليوم» (6/14)، إنه وصلها إيميل من صديقة تونسية تطلب من المصريين أن يأخذوا العبرة من تونس. وليستمعوا إلى ما قاله راشد الغنوشي في الـ «بي بي سي»: فقد قال «تونس إسلامية، ولن نترك الحكم والسلطة بعد اليوم، حتى ولو سالت دماء التونسيين بالآلاف.» بينما كان خطابه قبل فترة يتميز بالاعتدال، ولكن يبدو أن الاعتدال كان مناسباً لمرحلة الدعوة التي تسبق تولي السلطة. وزار الغنوشي مصر الأسبوع الماضي، والتقى قادة الإخوان بمركزهم في المقطم، ربما ليبحث معهم مستقبل الجماعة بعد الاستيلاء على السلطة. كما اجتمع الغنوشي مع القرضاوي في تونس الشهر الماضي، ووعده أن يخلفه في رئاسة اتحاد علماء المسلمين. ليصبح هذا المنصب حكراً لهذه الجماعة البراغماتية التي يندر أن تجد فيها فقهاء، لأن القوى المحركة فيها رجال أعمال مليارديرية ليتخذوا من منصب رئاسة اتحاد العلماء منبراً للهجوم على الحكومات التي لا تنفذ مطالبهم، كما فعل القرضاوي في هجومه على حكومة الإمارات، وشن هجوماً قبل الانتخابات الرئاسية في مصر على من ينتخب الفريق شفيق.
وما قاله الغنوشي يمثل طبيعة هذا التنظيم وسيكولوجيته منذ تأسيسه. فقد قال الهضيبي أحد مرشدي الجماعة السابقين «إذا تولينا الحكم، فسنبقى إلى الأبد». وكان هدف الجماعة منذ تأسيسها 1928 إحياء نظام الخلافة. يقول حسن البنا مؤسس الجماعة «إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية» وعلى هذا الأساس لا يصبح المصريون وغيرهم مواطنين في بلدانهم، بل رعايا في دولة الخلافة. ويقول اللواء سويلم في «الأهرام» (2012/5/14) إن الشيخ القرضاوي كشف في كتابه «الحل الإسلامي فريضة وضرورة» عن خطة الإخوان للسيطرة على الجيش، فأشار إلى البديل العسكري والانقلابات العسكرية كوسيلة للاستيلاء على الحكم. ورأى محمد بديع أن إعادة بناء دولة الخلافة الغاية العظمى للجماعة، التي حددها حسن البنا، باتت قريبة بعد ثورات الربيع العربي، ووصول الإسلاميين إلى الحكم. ولما سئل محمد مهدي عاكف عن رأيه إذا تعارضت مصلحة مصر مع مصلحة الجماعة، قال «طز بمصر»، وقال عن الإعلاميين الذين لهم آراء تخالف رأي الإخوان «إنهم سحرة فرعون الذين يخدعون الناس ويسوقون الأكاذيب، أما هو فنبي الله موسى الذي سينتصر بإرادة الله».
ويستدل من سلوكهم منذ سقوط نظام حسني مبارك أنهم يستميتون في السيطرة على الدولة المصرية. قبل الانتخابات أعلنوا أنهم لن ينافسوا على أكثر من %30 من نسبة المقاعد، ونافسوا على %100. وبعد حصولهم مع حلفائهم على %70 بدأوا بتهميش الأحزاب الأخرى وإقصائها عن اللجان النوعية. وبدأوا يتصرفون وكأن لا شريك لهم في البرلمان، ومن حقهم أن يشرّعوا ويفعلوا ما يشاؤون من دون مراعاة لقواعد الديموقراطية وأصولها. من ذلك محاولاتهم إسقاط حكومة الجنزوري ليشكلوا حكومة تخدم مصالحهم، ثم محاولاتهم السيطرة على اللجنة التأسيسية التي ستكتب دستور مصر، حتى بعد بطلان تلك اللجنة من القضاء، أصروا على الانفراد باللجنة، ويتحكمون بوضع دستور مصر، فهم من أحبط كل المحاولات لإعداد مشروع الدستور قبل انتخابات الرئاسة. ثم أقروا قانون العزل ولم يستمعوا إلى احتجاجات شركائهم. وبعد أن وعدوا بألا يكون لهم مرشح للرئاسة إذا بهم يدفعون بمرشح وآخر احتياطي هو الذي خاض الانتخابات.
وقال د. محمد مرسي مرشحهم للرئاسة في مؤتمر صحفي (2012/5/21) إن نظام مبارك لهف من خزائن مصر طوال 30 عاماً ما بين 5 و6 تريليونات دولار ما يعادل 30 إلى 36 تريليون جنيه، أي سرقة تريليون جنيه سنوياً، من أين أتى بهذا المبلغ؟ فإذا كانت آخر ميزانية مع العجز لم تزد على 500 مليار جنيه، فكيف يمكن سرقة تريليون منها؟ أما خطابه عشية انتخابات الإعادة، فقد كان حماسياً شبيهاً بخطب قادة الحرب أمثال هتلر وموسوليني. فهو يريد إلقاء الأحكام ويقيم محاكم ثورية لرموز النظام ويعتدي على القضاء ويبطل أحكام المحكمة الدستورية، فيعتدي على الدستور الذي يجب أن يحترمه. وأعلن فوزه في ميدان التحرير قبل انتهاء لجان الفرز. وجاء أنصاره يهنئونه ويتظاهرون ويخيرون الدولة، إما القبول بفوز مرشحهم وإما مواجهة القلاقل والفوضى لفرض الواقع الذي يريدون. وظهرت ضغوط ومساومات أميركية مؤيدة مطالب الإخوان. واستنكرت أحزاب مصرية تدخل واشنطن في أحكام المحكمة الدستورية العليا. وحذّرت جريدة «الدستور» 5/22 من مجزرة خطط الإخوان لارتكابها إذا أعلن فوز الفريق شفيق.