الرئيسية   |   اتصل بنا 
 
 
 
 
 
 
محاولات التعدي على سلطات القضاء | رجوع
محاولات التعدي على سلطات القضاء
كتب عبدالمحسن حمادة :
ما أجمل أن يعيش الانسان في مجتمع يتوافر فيه قضاء عادل ونزيه ومستقل. وأن يتم اختيار القضاة وفق شروط علمية لتتوافر فيهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها القاضي، ليؤدي هذه المهمة العظيمة. ومن هذه الصفات العلم والذكاء والعفة والشجاعة والنزاهة والصبر على الخصوم والاطلاع على أحكام من سبقوه. ويجب أن يوفر المجتمع للقاضي ضمانات ليكون آمنا في حاضره ومطمئنا على مستقبله، هذه الضمانات ضرورية لدعم النظام القضائي وتأكيد سلطاته، ليؤدي دوره في نشر العدالة ودعم سيادة القانون وحماية الحقوق. وإذا توافر العدل في المجتمع فسيطمئن المواطن على نفسه وماله وعرضه. لذلك فضل ديننا العدالة على العبادة. ففي الحديث «عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها. وجور ساعة في حكم أشد وأعظم عند الله من جور سنين»، ولتحقيق العدالة يجب احترام استقلال القضاء وابعاده عن تدخل السلطة التشريعية والتنفيذية. لذلك تنص جميع الدساتير على ضرورة الفصل بين السلطات، وأن تحترم كل سلطة اختصاص السلطة الأخرى، وتلتزم بعدم التدخل في اختصاصها لضمان استقرار الدولة وتقدمها. لذا نرى أن المحاولات التي تبذلها اللجنة التشريعية في المجلس لصياغة مشاريع قوانين، لتغيير بعض مواد الدستور لتأتي بمواد تخدم مصالحها، نوع من العبث.
ومن التعديلات المقترحة تعديل المادة 79 من الدستور التي تنص على ألا يصدر قانون الا اذا أقره المجلس وصدق عليه الأمير. فاقترحوا اضافة فقرة وأن يكون موافقا للشريعة الاسلامية. ورفض صاحب السمو ذلك التعديل لتعارضه مع مواد أخرى من الدستور مثل فصل السلطات، وستتأثر كثير من المرافق الحيوية كالبنوك وشركات التأمين والنظام التجاري وقانون العقوبات. وردت الأغلبية بأنهم ماضون في أسلمة القوانين وسيلجأون للشارع. ومن محاولاتهم الخطيرة لتقويض أسس استقرار الدولة تدخلهم بشأن القضاء. ومن ذلك اقتراح الغاء محكمة الوزراء وجواز التظلم من أي قرار أصدرته بالحفظ أو لجنة التحقيق فيها قبل 60 يوما. كما اقترحوا تعديلا على قانون الجزاء لينص على معاقبة كل شخص يكلف بأداء الشهادة أمام جهة غير قضائية، ويمتنع عن الحضور أو يمتنع عن حلف اليمين يعاقب بالحبس لمدة عام وغرامة ألف دينار. المقصود تحويل لجنتهم البرلمانية الى لجنة قضائية للانتقام من سمو رئيس الوزراء السابق، والنيل منه أمام لجنتهم بعد أن فشلوا في ادانته أمام القضاء العادل لعدم وجود أدلة على ادعاءاتهم. كما اقترحوا اعادة تشكيل المحكمة الدستورية ونزع صلاحية تفسير الدستور منها.
ومن الغرابة أن نجد تشابها بين ما يحدث في مجلس الأمة الكويتي ذي الأغلبية الدينية القبلية، وما يحدث في مجلس الشعب المصري المسيطر عليه من تيار الاسلام السياسي، حيث وافقت لحنة الاقتراحات في المجلس على مشروع قانون اعادة تشكيل المحكمة الدستورية، وتغيير اختصاصاتها. وشن قضاة المحكمة الدستورية في مصر هجوما على المجلس، مؤكدين أن المحكمة تتعرض لمذبحة من البرلمان. لذا نتمنى وقف هذا العبث الذي يقوم به هذا المجلس. لتغيير مواد الدستور الذي وضعه المؤسسون في ظل مجلس تأسيسي انتخب لوضع دستور للدولة. فتوصلوا بعد دراسات ومناقشات مستفيضة الى ديباجة هذا الدستور ومذكرته التفسيرية المتوازنة التي راعت حقوق الحاكم والمحكوم واستقرار الدولة. فلا يجوز لمجلس انتخب في ظل هذا الدستور وأقسموا على المحافظة عليه. أن يطالبوا بتعديله ليأتوا بمواد تخدم مصالحهم وأيديولوجياتهم. واذا رأى المجتمع ضرورة التعديل، فلنأت بمجلس يخصص لهذا الغرض، ويضم خبراء مشهودا لهم بالنزاهة والعلم والولاء للدولة، بعيدا عن الولاءات الفئوية والأيديولوجية.

د. عبدالمحسن حمادة


5/30/2012
 
 
 
 
الموقع الرسمي لـعبدالمحسن حماده © 2011
تصميم و برمجة
q8portals.com