كيف ستحكم سوريا بعد هزيمة نظام العائلة أو الطائفة الذي حكم سوريا أكثر من 40 عاما بلا قانون ولا أخلاق؟ حكمها بالحديد والنار، وإعلام كاذب يمجد النظام ويؤلهه. وبنى جيشا غرس فيه عقيدة طائفية، وليست وطنية لخدمة الشعب السوري الذي عاش في وطنه آلاف السنين وطوره. وفي غفلة من الزمن تسللت هذه المجموعة إلى الحكم. نتمنى أن يأتي اليوم الذي يكشف المؤرخون أسرار استيلائها على الحكم، وسجلها الحافل بالوقاحة والمكر والمجازر والاغتيالات. من مكنهم من التسلل إلى صفوف حزب البعث والالتحاق بالجيش؟ وكيف شكلوا لجانا عسكرية سرية مكنتهم من السيطرة على الجيش وحزب البعث، وحولوه إلى مجرد واجهة لإخفاء فكرهم الطائفي، وأقصوا من فتح الباب أمامهم، لينفردوا بالسلطة،
وعزل الشعب عن السياسة وسلبه حريته وكرامته. زوروا الانتخابات النيابية والنقابات، وأوكلوا إلى الأجهزة الأمنية والمخابرات لاختيار الشخصيات التي تهلل للزعيم الأوحد.
ثار الشعب ضد نظام فاسد مستبد، وطالب بحريته وكرامته واسترجاع حقوقه الوطنية. طالب بإسقاط النظام ومزق صور الأب والابن وحطم تماثيلهما المزروعة في شوارع سوريا وميادينها الرئيسية؛ إعلانا بملكية العائلة للدولة واستعباد الشعب. طالب بإقامة دولة مدنية ديموقراطية. أنكر النظام الأسباب الحقيقية للثورة، وتعاطى معها على أساس أنهم مجموعة من الإرهابيين المسلحين، تريد تقويض دولة المقاومة والممانعة. تنفيذا لمخطط أجنبي. لذا تعامل مع الانتفاضة السلمية بقمع وحشي، مستخدما آلة القتل الجماعي. دمر مدنا وقرى وحولها إلى أطلال. ونزح آلاف من السوريين إلى الدول المجاورة هربا من بطش النظام، أما من بقي منهم فقد تم إعدامه أو اعتقاله، حتى جيوش الاحتلال لا ترتكب مثل هذه الجرائم الوحشية.. لقد دربت عصابة الأسد الطائفية، لتكون أكثر حقدا ووحشية ودموية من جيوش الاحتلال.
لذا ثار الشعب السوري هذه الثورة العظيمة التي استمرت أكثر من 14 شهرا. لا ترهبه الضحايا الجسيمة التي قدمها لتحرير الأمة من هذا الكابوس، بعد أن تأكد له أنه هو العدو الحقيقي للشعب السوري، فالشعب السوري طوال تاريخه لم يواجه عدوا أكثر حقدا ووحشية ودموية من نظام عائلة الأسد. ويبدو أن كفاح الشعب السوري سيطول حتى بعد وصول المراقبين الدوليين. فها هو الأسد يواصل قصفه للمدن وقتل المدنيين أمام المراقبين، ويتلاعب بالمبادرة الدولية كما تلاعب بمبادرة الجامعة العربية. معتمدا على روسيا التي ستمنع المجتمع الدولي من اتخاذ أي قرار خطر على نظام بشار. وأن أميركا والغرب لن يتخذا قرارا تعارضه موسكو. لذا بدأت أميركا والغرب بتجنب المطالبة بإنهاء نظام بشار وإزالته من المشهد السياسي، والتحذير من تسليح المعارضة السورية. في حين تستمر إيران وعملاؤها في العراق ولبنان في مواصلة الدعم المادي والعسكري لبشار.
ومع إدراك الشعب السوري أن المجتمع الدولي والإقليمي لن يهب لنجدته، إلا أن هذا لن يوهن عزيمته وتصميمه على التخلص من هذا النظام، ويدل استمراره بالتظاهرات على رسالة للنظام أنه لن يستطيع إخماد ثورته.. ونتمنى بعد أن ينتصر الشعب في ثورته أن يحقق المبادئ العظيمة التي نادى بها. ويقيم مجتمعا مدنيا ديموقراطيا يراعي التنوع القائم في الشعب السوري، لا يستأثر طرف بالسلطة، ولا يقصي أحد الآخر.
د. عبد المحسن حمادة