ثار الثوار ضد الطغيان والفساد، ونظام التوريث الرئاسي، وأرادوا قيام مجتمع ديموقراطي، وحققت الثورة المصرية في عامها الأول إنجازات باهرة، كالقضاء على الاستبداد وإجراء انتخابات حرة، شهد على نزاهتها كثير من المراقبين. ويصف توماس فريدمان تلك النتائج بأنها نوع من الخيال، فلو تنبأ أحد قبل عام بسقوط نظام مبارك وسيطرة الإسلاميين على مجلس الشعب، لقالوا له إنك تحلم.
وهذا ما قاله الدكتور الجنزوري في افتتاح مجلس الشعب. عندما بدأه بـ «سبحان الله أقول سبحان الله لأني أرى وجوهاً ما كانت تستطيع دخول هذا المكان».
ولكن برزت سلبيات أدت إلى ظهور انقسام في الشارع المصري، حيث يرى بعض شباب الثورة أن أهداف الثورة لم تتحقق، لذا يطالبون باستمرار التظاهرات والاعتصام حتى تتحقق تلك المطالب. ولتحقيق تلك المطالب يريدون إقالة النائب العام، وإقامة محاكم خاصة تصدر أحكاماً لترضي أهواءهم. فلما تبنى بعض أعضاء مجلس الشعب تلك المطالب أرسل رئيس مجلس القضاء الأعلى خطاباً إلى رئيس البرلمان أكد على ضرورة احترام الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية، محذراً من مغبة التدخل في عمل القضاء وأثره السلبي على بنيان الدولة المصرية. ويطعنون بعقيدة الجيش ووطنيته ويطالبون بإسقاط حكم العسكر، ويريدون إسقاط الأمن، فحاولوا اقتحام مبنى وزارة الداخلية. ويتشككون في نتائج الانتخابات، ويؤكدون أن المجلس لا يمثل الثورة، ويرفعون شعار الميدان فوق البرلمان. فهم إذن يريدون إسقاط الدولة وجرها إلى الفوضى. وكانت أعدادهم قليلة لا تتجاوز الآلاف العشرة. ولكن بعد أحداث بورسعيد الدامية وانضمام جمهور الأهلي إلى صفوفهم، ازداد عددهم، وظلوا طوال الأسبوع الماضي في اشتباك مع الشرطة لاقتحام مبنى الداخلية. وأثرت هذه الاضطرابات على الأمن والاقتصاد. ودعت القوى الثورية إلى عصيان مدني في 11 فبراير ذكرى تخلي حسني مبارك عن السلطة، وأعلنت مؤسسات ونقابات مشاركتها في حين عارضته جهات أخرى، واعتبرته مسعى لتفكيك الدولة وانهيارها ومحاولة لتفجير المجتمع من الداخل.
ومنذ أيام أحالت السلطات في مصر منظمات مصرية وأجنبية تعمل على تأسيس وإدارة فروع لمنظمات أجنبية داخل مصر، وتتلقى الأموال من جهات أجنبية وإنفاقها على أنشطتهم داخل مصر من دون إذن أو موافقة من الحكومة المصرية. وأفادت مصادر قضائية بأن التحقيقات توصلت إلى أدلة دامغة بشأن ارتكاب المتهمين ما نسب إليهم من اتهامات. وتهدد أميركا بقطع المساعدات عن مصر، إذا لم تخل سبيل المتهمين. ويعتقد أن بعض وسائل الإعلام المصرية الخاصة تتلقى مساعدات من تلك الجهات، لتساهم في إثارة الفتنة. لذلك اتهم مصطفى بكري عضو مجلس الشعب بعض وسائل الإعلام بالعمالة. ولما طلب العضو مصطفى النجار شطب العبارة رفض المجلس الطلب. وقال كمال الجنزوري رئيس الوزراء في مجلس الشعب «وماذا عن الإعلام الذي يعمل وكأنه من أكثر الدول المعادية لمصر».
إذن، هناك وسائل متعددة تشجع على استمرار الفوضى والاضطرابات في مصر. فيا ليت شبابها يدركون ما يفعلونه في مصر الحبيبة التي يحبها العرب من قلوبهم، فلا يوجد شباب يحب وطنه ويحاصر «الداخلية» ليقتحمها أو يطالب بسقوط الجيش الوطني النظيف أو يشكك في نزاهة القضاء أو يمنع رئيس الوزراء من دخول مكتبه، ويهين البرلمان الذي انتخبه 40 مليون مواطن. لا توجد دولة في العالم ترضى بهذا، نتمنى أن تقدر مصر على اتباع الوسائل القانونية لإنهاء مظاهر الفوضى.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com