ما أسوأ أن نعيش في ظل دولة ضعيفة تسير بلا فلسفة أو أهداف. ومع ذلك تزعم حكومتها أن لديها خطة وأهدافا مدروسة تسعى الى تحقيقها لرفع مستوى الإنسان والدولة، وبعد أن تم إنجاز الخطة والموافقة عليها، تسير تلك الحكومة عكس اتجاه الخطة، لأنها لا تقوى على تنفيذ القرارات الصعبة، التي يؤكد الخبراء أهميتها، فلا تتردد بالتراجع عنها أمام ضغوط الغوغاء الذين عرفوا أنها حكومة ضعيفة سرعان ما تستجيب لمطالب المحتجين وتنفذ مطالبهم حتى لو كانت ضارة بمستقبل الدولة.
إن السياسة المالية المتخبطة التي اتبعت أدت إلى تضخم الإنفاق، وأكد الخبراء أن الاستمرار في هذه السياسة سيؤدي إلى إفلاس الدولة، لهذا بادر صاحب السمو الى تشكيل اللجنة الاستشارية للإصلاح الاقتصادي، تلمسا بان اقتصادنا في خطر نتيجة لتضخم الإنفاق، والاقتصاد عصب الحياة، فإذا ضعف ضعفت الدولة. فيجب أن نتقشف ونشد الأحزمة لحماية اقتصادنا. ولكن بعد خروج الوزراء من الاجتماع تصرفوا وكأنهم لم يسمعوا تلك النصائح أو لم يستوعبوها، فقرر وزير النفط زيادة العاملين في قطاع النفط تلبية لمطالب النقابة، ولم يستنكر مجلس الوزراء تصرف الوزير، مما دفع معظم الوزراء الى الالتقاء بالنقابات المضربة أو من يهدد بالإضراب ليعدوهم بتحقيق مطالبهم، مما يدل على أن الحكومة ليست جادة في اتخاذ القرارات الصعبة والالتزام بها.
قد تكون الأزمة اليونانية مشابهة لأزمتنا، اليونان بلد ديموقراطي، ولكن الديموقراطية تحولت فيها الى ترضية الأفراد، فركزوا على حقوق الأفراد وتناسوا واجباتهم تجاه الدولة، كانت نقابات العمال والموظفين تعلن الإضراب لزيادة الرواتب، ولم توضح الحكومة للنقابات أنها لا تملك الإمكانات لتحقيق تلك المطالب، بل كانت تستدين لتحقيق مطالبها. فتضاعفت الرواتب وعاشت اليونان بطريقة تفوق مواردها، حتى وصل الدين إلى مرحلة عجزت الدولة عن السداد وأشرفت على الإفلاس. واجتمعت دول الاتحاد الأوروبي قبل شهرين لمعالجة أزمة اليونان، وأبدوا استعدادا لإقراضها على أن تجري تخفيضات كبيرة في موازنتها وتتخذ إجراءات تقشفية. وتبنت اليونان خفض الرواتب ورفع الضرائب لمدة عامين. الآن عاد العمال للإضراب ظناً منهم أن الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي سيضطرون لتعديل سياساتهم التقشفية التي فرضوها على اليونان لخطورة خروج اليونان من دائرة اليورو.
أما بالنسبة للأزمة الكويتية فاعتقد ان المضربين لا يقيمون للقيم والأخلاق وزنا. فقد تضاعفت رواتبهم قبل عامين، وغالبيتهم يأخذون رواتب من دون عمل أو يقومون بعمل محدود، فهم موظفون تحت اسم البطالة المقنعة. فلو كان لهم ولاء للدولة لما قاموا بهذا العمل المضر بها. كان عليهم أن يتفهموا ظروف الدولة فهي لا تتحمل الزيادات المتكررة، فمنهم مدرسون وأعضاء هيئة تدريسية المفروض أن يكونوا في طليعة المتحمسين الذين ينادون بالإصلاح الاقتصادي وترشيد الإنفاق والحفاظ على الثروة. صحيح نحن لا نستدين كما فعلت اليونان، ولكننا نعتدي على ثروة الأجيال القادمة، إننا مطالبون بضمان حياة كريمة لهم ولا نتركهم لحياة الفقر والحرمان، سمعنا أن الحكومة لن تخضع لإرادة المضربين غير الشرعية، وأنها تعد رجال الجيش والأمن لمواجهة أي فوضى، هذا ما تقوم به الحكومات القوية المتقدمة لكي لا تقع الدولة في خضم الفوضى.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com