لقد دفع الشعب العربي، والفلسطيني بشكل خاص، ثمنا باهظا نتيجة للسياسة الخاطئة التي اتبعها سياسيوه في تعاطيهم مع القضية الفلسطينية. ففي 1947/11/29 تبنت الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة لليهود على مساحة %77 من أرض فلسطين وأخرى للفلسطينيين الضفة والقطاع والقدس الشرقية، ويضمن مجلس الأمن حدود الدولتين. ونصح أحد قادة الوفد المصري العرب والفلسطينيين بقبول القرار؛ مؤكدا أن اليهود لا يشكلون تهديدا للأمن العربي. فعددهم لا يتجاوز في فلسطين المليونين، ولو جاء معهم يهود العالم، فعددهم لن يتعدى 13 مليونا، إنما يهدد أمننا دخولنا في حروب غير محسوبة ووقوعنا في هزائم ودخولنا في صراعات نتيجة لتلك الهزائم. فإننا لن نحارب اليهود بل سنحارب الدول الكبرى. سخر كثيرون من هذا الرأي وفي 48/5/14 أعلنت إسرائيل نفسها دولة مستقلة، دخل العرب معها الحرب بغير استعداد وانهزموا. وأصبح الوضع بعد الهزيمة أسوأ بالنسبة للعرب. حيث تشرّد 750 ألف فلسطيني واحتلت إسرائيل مساحة أكبر من الأرض.
لم يساعد العرب الفلسطينيين لإقامة دولتهم على الضفة والقطاع، فوضعوا الضفة تحت الإدارة الأردنية، والقطاع تحت الإدارة المصرية. وتمزق الشعب الفلسطيني وضاعت هويته. وقامت انقلابات في الدول العربية ابتداء من انقلاب حسني الزعيم، ونجم عنها تدخل الجيش في الشأن السياسي والمدني، فأضعفوا الجيش والدولة. رفعوا شعارات مثل: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولا ديموقراطية إلا بعد تحرير فلسطين. استفادت إسرائيل من هذا الصخب وسلّحها الغرب بالأسلحة الفتاكة بما فيها السلاح النووي وكانت هزيمة 1967 قاسية على العرب. وأدرك السادات أثناء حرب 73 أنه لا يستطيع مواصلة الحرب، لأنه يحارب أميركا، فوقّع معاهدة السلام وأخرج مصر من الحرب وحافظ خليفته مبارك على السلام. ووفر السلام لمصر أكثر من 26 مليار دولار من ميزانية الإنفاق الحربي، علاوة على 40 مليار دولار دعما أميركيا وازدهرت حركة العمران والسياحة.
كان خطاب الرئيس عباس في الجمعية العامة رائعا، جسد فيه معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال خلال الـ64 عاما، من حواجز وطرد من المنازل وإحراق للمزارع والاستيلاء على الأرض وزجّه في المعتقلات. واكتظت ميادين مدن الضفة بآلاف الفلسطينيين وهم يلوّحون بالأعلام الفلسطينية أثناء استماعهم لخطاب أبو مازن وازدادوا حماسا عندما رأوا زعماء العالم يصفقون وقوفا تأييدا للمطالب الشرعية للشعب الفلسطيني. لقد تفوّق على خطاب الرئيس الأميركي الذي هدد باستخدام «الفيتو» ضد الحقوق الفلسطينية، فلا يشرف أميركا أن تدعم المحتل. كما تفوق على خطاب نتانياهو المليء بالغطرسة والعنصرية والأكاذيب. وقرر الكونغرس حرمان الفلسطينيين من المساعدات عقابا على إصرارهم على الحصول على الاعتراف الكامل من الأمم المتحدة للدولة الفلسطينية.
ودانت إيران طلب محمود عباس لإقامة دولة فلسطين على حدود 1967 هادفة تدمير المحاولات التي بذلت لتحقيق المصالحة بين فتح وحماس، وطالبت بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وقال المرشد إن أرادت أميركا والداعمون للكيان الصهيوني حل المسألة بالطرق القانونية فليعد كل شخص إلى بيته والمكان الذي جاء منه. كما دعا الرئيس نجاد في كلمته في المؤتمر الدولي الخامس لدعم الانتفاضة الفلسطينية المنعقد في طهران، إلى إزالة إسرائيل وتحرير فلسطين بشكل كامل ونعطيها للشعب الفلسطيني. ومن المعروف أن إيران ترفع هذه الشعارات الكاذبة لتخلق فتنا وصراعات في المنطقة للتمكن من تحقيق أطماعها في المنطقة. ويساعدها عملاؤها حزب الله والنظام السوري والأحزاب الطائفية في العراق.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com