لن تنطفئ الانتفاضة حتى يسقط النظام الوحشي القاتل، الذي حول الدولة إلى شركة يديرها مع أقاربه، وأقام إعلاماً يمجده وينسب الدولة إليه، كقوله سوريا الأسد، ويصف الشعب الذي يطالب بحريته بعصابات إرهابية أو سلفيين ليقيموا إمارة إسلامية، لذلك نستغرب حديث غبطة البطريرك الراعي في باريس، لمطالبته بأن يعطى بشار المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات التي بدأها، ووصفه بأنه منفتح تربى على المفاهيم الغربية، مخافة وصول جماعة أصولية سنية متشددة قد يتحالفون مع الأكثرية السنية في لبنان، فيشكلون تهديداً لمسيحيي الشرق، ودافع عن سلاح حزب الله، قال هذا أمام رئيس دولة تملك حق الفيتو في مجلس الأمن، وكأنه أراد التأثير على موقع متخذي القرار لتغيير موقفهم من الأسد، وقد يمثل هذا انقلاباً في موقف الكنيسة، إذ يعني أنها تطلب من المسيحيين في الشرق تأييد الأنظمة الدكتاتورية. حري بمسيحيي الشرق، خصوصاً اللبنانيين، وهم من أوائل من آمن بالحرية وحمل لواء الحداثة في المحيط العربي، أن يقفوا مع الشعوب ضد الاستبداد. خصوصاً أن لبنان عانى من وحشية هذا النظام. اليوم وصلت الأزمة إلى منزلق خطير يهدد كيان الدولة، فالنظام ماض في استخدام القوة، وأجهزته الأمنية تكثف جهودها لاعتقال المنشقين والنشطاء السياسيين، كبحثهم عن القاضي عدنان بكور، محامي عام حماة الذي استقال احتجاجاً على جرائم النظام، وتمكنهم من اصطياد المقدم حسين هرموش وتعذيبه ليعترف بأن المعارضة رشته لينشق عن الجيش السوري، وقتلهم بلبل الثورة إبراهيم قاشوش ونزع حنجرته، وقتل الناشط غياث مطر، ومداهمة سرادق العزاء واعتقال والده بعد مغادرة سفراء حضروا لتقديم العزاء، وسربت تسجيلات من داخل المعتقلات، حيث يعذب الآلاف، ويرفض النظام الاستماع إلى النداءات العربية والإقليمية والدولية المتكررة لوقف آلة القتل، بل يفكر في توسيع الحملة الأمنية، فبدأ يستعين بالجنرالات الذين ارتكبوا المجازر مع والده لتنفيذ مشروعه الإجرامي، لذا حذر أردوغان من أن الأسد يلعب بورقة إشعال حرب طائفية ليبقى في السلطة، فالنخب العلوية تهيمن على مواقع مهمة في السلطة وقيادة الجيش والأجهزة الأمنية. ومن يوصفون بالشبيحة، وهم لا صفة رسمية لهم، ينتمون إلى النظام، مما يعمق الفجوة والصراع مع أغلبية الشعب، لذا أصدر بعض مشايخ العلويين بياناً أعلنوا فيه براءتهم من ممارسات النظام الوحشية، ويطالبون أبناء الطائفة بالالتحاق بالثورة، ويكذبون الإشاعات التي تدعي أن الطائفة تتعرض للقتل. وفي هذه الأجواء يصر الشعب السوري على أنه لن يرجع إلى الوراء، ففي «جمعة ماضون حتى إسقاط النظام» دخلت الثورة شهرها السابع، وخرج المتظاهرون يهتفون «حرية للأبد غصب عنك يا أسد»، «الشعب يريد إعدام الرئيس»، ويطالبون بحماية دولية. وفي يوم 9/18 في بداية العام الدراسي تحولت المدارس إلى مراكز تنطلق منها التظاهرات، بعد أن كانت مقصورة على المساجد، حيث تظاهر بعض طلاب المرحلة الابتدائية والثانوية، وهم يهتفون «لا دراسة ولا تدريس حتى إسقاط الرئيس»، وأطلقوا على تلك التظاهرات اسم «أحد إسقاط التعليم البعثي»، وأصدروا بيانات يرفضون فيها نظام التعليم البعثي المستغل من بشار لتعزيز نفوذه وغسل أدمغة الشباب، ورفعوا يافطات كتب عليها «فقط في سوريا المدارس تتبع الداخلية».
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com