بدأ الشعب الليبي بثورة سلمية، مطالبا بالحرية والإصلاح ليحيا حياة كريمة. واستغرب الطاغية تلك المطالب. ظنا منه أنه غسل أدمغة الشعب بأضاليله وأقنعهم أن ليبيا هي القذافي والقذافي هو ليبيا. كان يجيد التمثيل فتظاهر بالعظمة، فعندما يلقي خطابا أو يتحدث مع أحد ينظر إلى أعلى وكأنه فوق البشر. لذلك استغرب المطالبين بالإصلاح فوصفهم بالحثالة والجرذان، وقابل الثورة السلمية بالحديد والنار واتهم الثوار بالعمالة، كما تفعل العصابة الحاكمة في سوريا. ولكن الشعب الليبي صمم على التخلص من تلك الحقبة المظلمة من تاريخه. وحمل السلاح ليحارب المرتزقة الذين جندهم الطاغية لقتل الشعب. واستعان بالمجتمع الدولي لتخليصه من الطغيان. ومن ينتقد الاستعانة بالمجتمع الدولي ويحتج بأن القومية العربية ترفض بالمطلق الاستعانة بالأجنبي، فانه يتعامى عن قصد عن الكوارث التي سببها هذا المعتوه للشعب الليبي، وعن خطورة استمرار هذا النظام على التنمية البشرية، وأنه جاء إلى السلطة بواسطة انقلاب عسكري، وأنه أعد العدة لاقتحام بنغازي وارتكاب المجازر فيها، فضلا عن أنهم يشوهون سمعة القومية العربية. لأنها يجب أن تكون مفهوما إنسانيا قبل أي شيء آخر، هدفه تنمية الإنسان العربي ومساعدته على إقامة حكومة مدنية تحترم حرية الإنسان وحقوقه وتضمن له العدالة والمساواة.
فمبادئ الحرية والعدالة والمساواة والشفافية التي حرم منها الشعب الليبي أثناء حكم الطاغية، هي التي تعهد أعضاء المجلس الانتقالي الالتزام بها..هذا ما تبين من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في باريس بعد تحرير طرابلس بين الرئيس ساركوزي بصفته ممثل للمجتمع الدولي الذي ساعد الثوار، ومحمود جبريل الرئيس التنفيذي للمجلس الانتقالي. وتكرر المشهد في اسطنبول والجامعة العربية، ففي كل إطلالة يؤكد أعضاء المجلس الانتقالي حرصهم على مبادئ الديموقراطية التي سيحكم بها المجتمع الليبي بعد الفترة الانتقالية..ويطالبون المجتمع الدولي بالإفراج عن بعض الأرصدة الليبية للإنفاق على المشاريع الملحة، كعلاج جرحى الحرب والاستعداد للعام الدراسي وصرف رواتب الموظفين وإعادة إعمار المنشآت الحيوية التي دمرتها الحرب، وسيفرج المجتمع الدولي عن بعض تلك الأرصدة، ونتمنى أن يراقب الإنفاق حتى تأتي حكومة منتخبة.
وبعد تحرير طرابلس عقد القائد الأعلى للقوات المسلحة مؤتمرا صحفيا هنأ الشعبين الليبي والعربي بالانتصار، وطالب الثوار بإلقاء السلاح، فلا سلاح سوى سلاح الدولة. لكي لا تسود الفوضى ولا يتكرر الخطأ الذي وقع في لبنان عندما يتمسك حزب الله بسلاحه ويسميه سلاح المقاومة المقدس. ويوجهه إلى صدور اللبنانيين ليفرض آراءه الشاذة وارتباطاته مع إيران والنظام السوري القاتل لشعبه. ويحرم الشعب اللبناني من تحقيق العدالة والديموقراطية.
نتمنى للثورة الليبية النجاح في تحقيق الحرية والعدالة والمساواة، وأن تبتعد عن روح الانتقام وتتحلى بالتسامح فليس كل من تعاون مع القذافي مجرما، لكي لا تتكرر الأخطاء التي وقعت في مصر والعراق وتونس، وأن يساعدها المجتمع الدولي على ذلك، لتكون نموذجا للوطن العربي.
د. عبدالمحسن حمادة