إن مثول الرئيس السابق حسني مبارك، وهو شخص مسن قد تجاوز الثمانين من العمر وعلى فراش المرض وفي شهر رمضان الكريم، أمام المحكمة وهو في قفص مهين شبيه بالأقفاص التي توضع فيها الحيوانات ليصبح فرجة للمشاهدين في أنحاء العالم لا يمثل إهانة لشخص الرئيس بل للبشرية والعدالة المصرية.
إن الله كرم الإنسان، فيجب احترام الإنسان، وبخاصة من ق.بل من بيدهم السلطة امتثالاً لأوامر الله. واحترام الإنسان يتطلب معاملته معاملة حسنة، وإذا اتهم فيجب توفير محاكمة عادلة، وتتطلب المحاكمة العادلة النظر إلى المتهم على أساس انه بريء حتى تثبيت إدانته بالأدلة القطعية. يجب توفير هذا لكل إنسان، فكيف بشخص مثل الرئيس حسني مبارك، له رصيده السياسي والعسكري. شارك في حربي 56 و67 وأحد قادة وأبطال العبور.
ومن المستحيل توفير محاكمة عادلة في ظل مثل هذه الظروف، حيث امتلأ ميدان التحرير بمجموعات تسمي نفسها بشباب الثورة، عينوا أنفسهم قضاة وأصدروا أحكاماً مسبقة ضد المتهم قبل محاكمته، وجاؤوا بحبل المشنقة وطالبوا بإعدامه وإجراء محاكمة سريعة، وإرهاب القضاة والتهديد بعزلهم إذا تعارضت أحكامهم مع تلك الأهواء، ويشجع هذا الاتجاه الجائر إعلاما موجها هدفه تشويه صورة الرئيس وتحقير من يتعاطف معه.
لقد استبشرنا بالثورة المصرية خيراً، إيماناً منا بأن مصر تمثل محوراً قيادياً في المنطقة، فنهضتها ستقود الأمة إلى النهضة. ومع إيماننا بأن مصر أصيبت بالجمود والتخلف وانتشر فيها الفساد وتخلت عن دورها القيادي للمنطقة وحكمت بنظم استبدادية فترة طويلة، وكانت الحاجة إلى التغيير ملحة، لذلك استبشرنا بالثورة لأنها تحمل مبادئ التغيير كالمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين والقضاء على حكم الفرد وتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أن تحقيق هذه المبادئ يتطلب ان تكون للثورة قيادة حكيمة تؤمن بأهمية القيم العالية ومبادئ الأخلاق السامية التي أكدت على أهميتها الديانات السماوية وتعارفت عليها الحضارات البشرية طوال تاريخها، إن ثورة بلا قيادة تعني خضوعها لقيادة الشارع، والشارع بعقله الجمعي قد يكرس الفوضى والانقسام والاستغراق في الماضي وتجاهل الحاضر والمستقبل.
لهذه الأسباب ترتفع الأصوات التي تطالب بالانتقام بكل صوره الوحشية والهمجية وتتجاهل القيم الدينية والإنسانية التي شيدت الحضارات، ولنا في رسول الله أسوة حسنة كيف تعامل مع أعدائه يوم فتح مكة، كبح جماح المطالبين بالتشفي والانتقام وأكرم قادتها، وقال اذهبوا فأنتم الطلقاء اليوم يوم الرحمة اليوم يوم المحبة... من الغريب ان يتأثر الرئيس مانديلا بسيرة الرسول التي قرأها في سجنه، فبعد ان أصبح رئيساً ذهب ليسلم على من سجنه،
8/17/2011