ليس من المستغرب أن يناصر نصر الله نظام الأسد، الذي يقصف الشعب السوري، ويمجده في كل خطاباته، غير مبال بمشاعر الشعب السوري الذي يُقتَل ويُعتَقل وتُهدَر كرامته وتُحاصَر مدنه وتُحتَل من قبل الجيش السوري، حيث درب ذلك الجيش على التعامل مع الشعب السوري ومدنه وكأنها دول معادية. لا غرابة في تعاطف نصر الله مع النظام السوري، فالطيور على أشكالها تقع، فالقناعتان متشابهتان كلتاهما نظام استبدادي شمولي. فالنظام الذي يريد أن يفرضه على الشعب اللبناني هو نظام الحزب الواحد المنزه. يصف المنتمين إلى حزبه بأنهم أشرف الناس وأعزهم وأرقاهم. أما من يخالفهم الرأي فهم الخونة وأعداء الله والوطن وعملاء أميركا وإسرائيل. يجوز إهدار دمائهم وكرامتهم وإقصاؤهم من الحياة السياسية. هكذا تعامل حزب الله مع شركائه في الوطن في 2008/5/7 عندما احتلت ميليشيات الحزب بيروت وقتلت الأبرياء في الجبل ودمرت المنشآت المدنية. ويصف نصر الله ذلك اليوم الأسود في تاريخ بيروت باليوم المجيد. وكان الدافع لقيام تلك الميليشيات بذلك العمل المشين القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بفصل مدير أمن المطار المنتمي لحزب الله وتفكيك شبكة الهواتف التابعة للحزب؛ اعتقادا من الحكومة بأن وجودهما فيه تهديد لأمن الدولة.
كان بإمكان الحزب أن يدافع عن رأيه بالحجة، ولكنه يرفض الجدال بالحسنى ويفضل إشهار السلاح وإرهاب الدولة. وهكذا يتعاطى مع المحكمة الدولية التي شكلت للنظر في اغتيال الحريري ورفاقه. فبدأ بمهاجمتها قبل عام منذ أن شعر بأن المحققين بدأوا يصلون إلى الأدلة التي ستمكنهم من معرفة المجرمين الذين قاموا بجريمة الاغتيال. وأسقط حكومة الحريري لتمسكها بالمحكمة الدولية ورفضها مطالب حزب الله الداعية لإدانة المحكمة واعتبارها محكمة أميركية ـــ إسرائيلية، وشكل حكومة اللون الواحد التي اعتقد أنه سيستطيع أن يواجه بها المحكمة الدولية والمجتمع الدولي. وبعد صدور القرار الاتهامي، والذي تضمن أربعة متهمين، اعترف نصر الله أنهم من القياديين في حزبه. وأعلن أن ما صدر عنها باطل ولن يستطيع أحد تنفيذ مذكرات توقيف متهمين في الحزب ولو بعد 300 سنة، ولا يهمه أن يصدر قرار أو مائة قرار فإنه اتخذ الإجراءات اللازمة لتعطيل تلك القرارات. وبدأ يهاجم المحكمة ويشوه صورتها بأدلة ضعيفة كادعائه بنقل 90 جهاز كمبيوتر تابعة للجنة التحقيق الدولية عبر الناقورة إلى إسرائيل ولم تنقل عن طريق مطار بيروت كي لا ينكشف أمرها. ورد عليه أن تلك الأجهزة تابعة لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة التي أوقفت عملياتها في لبنان 2009، ومن يريد إرسال أسرار لديه طرق كثيرة كاستخدام البريد الالكتروني أو فلاش ميموري. وادعاؤه بأن قاضي المحكمة كاسيزي صديق لإسرائيل وحضر مؤتمر هتزيا لمناصرة إسرائيل، وردت عليه المحكمة أن القاضي لم يحضر ذلك المؤتمر وأنه لم يقل الكلام الذي نسبه نصر الله إليه.
إن هذا التعالي من قيادة حزب الله على اللبنانيين وعلى المجتمع الدولي قد يكون مرده الإيمان بالخرافة. وهي حالة مرضية من يؤمن بها يُعظّ.م ذاته ويتصور أنه فوق الشبهات وفوق المساءلة وفوق الدولة، وان هناك قوى خفية تؤازره وتنصره على الأعداء. إن هذا فكر خطير سيجر الدولة إلى عدم الاستقرار وحروب مدمرة، آمن به نابليون وجر بلاده إلى الدمار، وآمن به هتلر وظن ألمانيا فوق الجميع وأن الرايخ سيمتد ألف عام، كما يدعي نصر الله لن يستطيع أحد أن ينال من حزبه حتى بعد 300 سنة. إن مثل هذا الفكر يصعب التعامل معه كشريك سياسي وهو يحمل السلاح ويشهره في وجه كل من يخالفه الرأي، وأصر على تعيين مدير عام للأمن العام من حزبه، فكما أمسك بأمن المطار يريد أن يمسك بالأمن العام ليمتلك المفاصل الأمنية في الدولة.