اعتماد الاقتصاد الكويتي على مصدر وحيد للدخل، وزائل، من التحديات التي تفرض علينا أن نقلق على مستقبل الدولة بعد نضوب هذه الثروة، وأن نتبنى سياسة واضحة ومشروعاً وطنياً لمعالجة هذه المشكلة، لا نتزحزح عنه قيد أنملة. وبالفعل تنبه المخططون للمجتمع الى خطورة المشكلة منذ منتصف القرن الماضي، وبحثوا عن حلول لمعالجتها. ولعل اهتمام المجتمع بالتخطيط والتنمية منذ منتصف الخمسينات من العوامل التي جعلت المجتمع يتنبه الى خطورة هذه المشكلة ويبحث عن حلول لها. لذلك جاءت أهداف خطة التنمية الأولى والثانية اللتين رسمهما المخلصون تطالبان بضرورة تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل. ومن الحلول التي تبنوها قبل نصف قرن تأسيس صندوق الأجيال القادمة، ورأوا أن نجاح هذا المشروع يتطلب تضحيات من الجيل الحاضر ليضمن مستقبلا زاهرا للجيل القادم، لذا طالبوا أن تلتزم الدولة بالتقشف ولا تنفق جميع عائدات النفط، بل تقتطع جزءاً منه يودع في ذلك الصندوق ويتم استثمار أموال الصندوق في مشاريع ناجحة في الدول المتقدمة. وهكذا آمنوا بأهمية التنمية المستدامة التي تفرض على الجيل الحاضر ألا يستأثر بالثروة ويترك الجيل القادم يواجه الفقر والحرمان.
وبفضل تلك الأفكار النيرة وحرص المسؤولين على مستقبل الدولة وايمانهم بأن تأمين مستقبل كريم للأجيال القادمة، وفق ما اتضح من ظروف الكويت الاقتصادية، وفي ضوء نتائج الدراسات العلمية والاستشارات التي أجريت، أصبح تحقيق هذا الهدف واجباً ومشروعاً وطنياً وليس مجرد فكرة عابرة. بل يجب النظر اليه بالنسبة لمستقبل دولتنا على أساس أنه مسألة حياة أو موت. لتلك الأسباب تم تأسيس ذلك الصندوق، وأصبحت عائداته بفضل الأمانة والاخلاص وحسن الادارة تقارب دخل النفط في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. ومن ثم أصبحت الكويت رائدة في هذا المضمار ومنارة يمكن الاستفادة من تجربتها. وجاءت دول الى الكويت مثل النرويج، والامارات التي تم اكتشاف النفط فيها بعد الكويت لتستفيد من هذه التجربة، الآن موجودات الصناديق السيادية في كل دولة من الدولتين تجاوزت الــ500 مليار دولار، بينما لا تصل موجودات الصندوق الكويتي الى 170 مليار دولار.
من أسباب ضعف اقتصادنا وتراجع السياسة المالية المتخبطة وغير المسؤولة التي يتبعها كل من مجلس الأمة ومجلس الوزراء، حيث يقدم أعضاء مجلس الأمة في كل عام مشاريع قوانين ومقترحات لزيادة الرواتب والأجور والبدلات تكلف الدولة مليارات الدنانير، وحذر خبراء الاقتصاد من الاستجابة لتلك المشاريع، اذ سيؤدي تنفيذها الى نزف الثروة الوطنية وتدهور اقتصاد الدولة. هي مشاريع غير مدروسة بل قدمها الأعضاء لاكتساب شعبية على حساب مستقبل الدولة. الا أن ضعف الحكومة وعجزها أو عدم اهتمامها بتكوين رؤية مستقبلية واضحة عن أهمية المحافظة على ثروة الأمة، فضلاً عن أنها متهمة بالفساد والاسراف، لذا فهي عاجزة وغير مهتمة بالحفاظ على الثروة الوطنية. الأمل في توعية الشعب بخطورة نزف الثروة، فمن يستطيع توعية الشعب اذا كانت السلطتان التنفيذية والتشريعية غير واعيتين بخطورة المشكلة؟