العدالة والحزم.. وواقعنا السياسي! | رجوع
كونفوشيوس فيلسوف صيني، عاش في منتصف القرن السادس ق.م، كان مؤسس مذهب اجتماعي ومربياً. وكان يخرج مع طلابه من المدرسة إلى الحياة، ورأى أثناء تجواله امرأة تبكي زوجها، الذي أكله النمر، فجلس يواسيها، وعرف منها أن أباها وجدها قد ماتا بالسبب نفسه. فسألها: لماذا لا تنتقلين إلى مكان أكثر أمناً؟ فأجابت: إن قوانين هذه البلدة عادلة. فقال لطلابه: إن الناس يخافون الحكومة الظالمة أكثر مما يخافون من النمر. ولما عين وزيراً للعدل قام بإصلاحات وحارب الفساد والطغيان ونشر العدالة. ولم يمنعه حبه للعدالة وكراهيته للظلم من الحكم بالإعدام على نشاط سياسي، لقيامه بعصيان مدني، وكانت لديه قدرة على السيطرة على الجماهير وإثارة الفتن. وكان كونفوشيوس يرى أن إثارة الفتن من أهم الأسباب التي أدت إلى نشوب الحروب الأهلية، التي أضعفت الدولة. وفي ضوء هذا التصور ندرك أنه لا يوجد تناقض بين نشر العدالة والتمسك بالديموقراطية والوقوف بقوة وحزم في وجه من يثير الفتن والنزاعات القبلية والطائفية، لأن السكوت عن تلك الجماعات سيشجعهم على التمادي في غيهم. لقد مررنا في الأيام الماضية بأزمة سياسية حادة، نحمد الله أننا اجتزناها بنجاح، آملين أن نستفيد من هذه التجربة حكومة وشعباً، كي لا نكرر الوقوع في الأخطاء. ومن أول الدروس التي يجب أن تستفيد منها الحكومة معرفة الأسباب التي جعلت عدداً كبيراً من النواب غير راضين عن سياساتها. وفي مقدمة تلك الأسباب التهرب من تطبيق القوانين، التي أقرها المجلس لإصلاح قطاع الرياضة والشباب، والمماطلة التي اتبعتها الحكومة لتعطيل جلسات المجلس، لتتمكن من رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم، وأمر رجال الأمن بالاعتداء على كرامة الإنسان في ندوة النائب الحربش. هذه بعض الأسباب التي جعلت بعض النواب يؤيدون عدم التعاون مع رئيس الوزراء، أرادوا توصيل رسالة إلى سموه والمجتمع. يعبرون فيها عن عدم رضاهم عن تلك السياسة. ونستشف من الكلمة التي ألقاها سموه بعد نيله ثقة الأغلبية البرلمانية، استيعابه الحدث ورضاه بالنتيجة، فشكر المؤيدين والمعارضين، وأبدى استعداده لمد يده للتعاون مع المؤيدين والمعارضين من أجل خدمة الوطن. ونعتقد أن التعاون الصحيح لا يتحقق إلا بالاعتراف بالأخطاء وتقبل إصلاحها. نتمنى أن تكون للحكومة نية صادقة في ذلك لكي لا تحرج من أيّدها وتساهم في الاستقرار وتخفيف الاحتقان. لكن، ما لا نفهمه هو إصرار بعض النواب على رفض هذه النتيجة، وإعلانهم أنهم سيواصلون التصعيد، وسيلجأون إلى الشارع لإثارة الفتن وتهييج الجماهير وتحريضها لإسقاط الحكومة عن طريق الشارع. فهل يريدون أن يثبتوا أن الشارع أصبح ملكهم وفي استطاعتهم تحريكه لفرض إرادتهم على الدولة؟ المشكلة أن من بين هذه المجموعات جماعة الدين السياسي الذين يخلطون السياسة بالدين. ولهم فقهاؤهم الخاصون الذين يبيحون الفتن والقيام بأعمال إرهابية لتحقيق مصالح قياداتهم، حتى لو أضرت بالدولة. وعلى الرغم من أن الدولة أعطت لقياداتهم ميزات كثيرة، لكن نمت طموحاتهم وبدأوا يتطلعون إلى المزيد. وقد تزداد المشكلة تعقيداً عندما يمتزج الدين بالسياسة والتطلعات القبلية. عندئذ تصبح المشكلة في حاجة إلى تحليل نفسي اجتماعي تربوي، والابتعاد عن الارتجال في معالجتها.
11/1/2011
|